Site icon IMLebanon

في اسطنبول!

 

مفارقة لافتة أن تكون اسطنبول موقع أمرين كبيرين لا صلة بينهما عملياً، لكنهما يستحثان تلك الصلة من باب المقارنة الآيلة إلى توضيح قصّة المعايير المزدوجة المعتمدة إزاء المنطقة العربية والإسلامية وشعوبها وأقوامها في الإجمال.

 

الأمر الأول هو مقتل الزميل الراحل جمال خاشقجي. والثاني هو القمّة الرباعية الخاصة بالوضع السوري.. والهستيريا التي أشار إليها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير تبدو اختصاراً خلاّباً لحالة غير سوية زادها حدثا اسطنبول لمعاناً وإشعاعاً!

 

لكن التوضيح قبل التصريح، واجب الوجوب: ليس لإعلامي إلاّ أن يشعر بالهمّ والغمّ والقنوط ووجع الرأس وضيق الصدر إزاء أي تعرُّض قاتل أو جارح لأي إعلامي أيّاً تكن هويته ومعتقده ورأيه.

 

وليست الحصانة المقدّسة هي مصدر ذلك الاستنتاج إنما الحقيقة القائلة بأن الإعلامي “يقاتل” بالقلم وليس بالمسدس. وبالخبر وليس بالعبوة الناسفة. وبالرأي وليس بالصاروخ.. سوى أن ذلك في جملته لا يعني تلقائية تلك الحصانة ولا تدريعها بإدّعاء التقديس، باعتبار أن السوية الطبيعية للفعل والرد عليه لها ترجمتها الموازية والمتوافرة والممكنة، وفي ذلك يُحاسَب المتطاول على الكرامات الفردية والعامة أو المزوّر أو المبتزّ أو الداعي إلى العنف والإرهاب والكراهية وغيرها من المثالب والرزايا أمام القضاء المختصّ. واستناداً إلى القوانين القائمة والقاعدة والسارية والجارية وليس بغير ذلك.. وهذا مبدئياً لا استثناء فيه لا لإعلامي ولا لسواه بطبيعة الحال.

 

وهذا السرد في كل حال، يتعلق بدول القانون والقِيَم الدستورية والإنسانية والأخلاقية، وليس بأنظمة العسف والعنف والجور والإكراه. ولا بالساعين الطموحين (مثل الذين عندنا في لبنان!) إلى التشبّه بهذه الأنظمة… وقضية الزميل الراحل الشهيد خاشقجي تتضمّن ذلك الأسى المُضاعَف لأنها جاءت من خارج هذا السياق التوصيفي تحديداً.

 

لكن كيف يمكن أن تصل حدّة الاستنفار إلى ذلك السقف العالي (والهستيري!) إزاء قضية خاشقجي في حين تبقى قضية قتل مليون سوري وتشريد الملايين غيرهم وتهديم دولة بعمرانها ومؤسساتها، في دائرة التأويل المستند إلى لعبة المصالح، ولا تُلحظ فيها قِيَم حقوق الإنسان إلاّ في سياقات انتهازية عابرة؟! وكيف يمكن الاستمرار في التعامل مع ارتكابات السلطة الأسدية وكأنها خارج مقامات المحاسبة والمعاقبة؟! وبأي طريقة يمكن أن يُؤخذ الحساب المكسور الذي يضع حالة فردية (قارصة ومؤلمة وغير مبرّرة مجدّداً) في موازاة مليون حالة وحالة؟! وكيف يمكن أن تُوضع السعودية على طاولة التشريح والابتزاز والتطاول والافتراء الفظّ والافتعالي والممنهج في حين تبقى السلطة الأسدية في مكانها أصلاً وفصلاً بعد كل ما ارتكبته على مدى سبع سنوات عجاف؟!

 

أم هي ذاتها المعادلة المارقة والمساوية للعهر والفجور التي جعلت “شجرة” الإرهاب الداعشي وغير الداعشي في سوريا أهم وأولى من غابة إرهاب الدولة الأسدية؟! وهي ذاتها الموازين المكسورة والمعايير المزدوجة التي تستثمر في الروح الفاضلة للشهيد خاشقجي في سوق بلا أخلاق؟!