إذا كانت وظيفة الإعلان الروسي عن إرسال ست طائرات حربية من طراز «ميغ-31» إلى بقايا سلطة بشار الاسد «تنفيذاً لعقود موقعة سابقاً»! هي تدعيم الموقف التفاوضي لمحور الممانعة وإشاعة فرضية الاستمرار في وجه فرضية الاندثار، وممارسة المزيد من الضغوط على المعارضة والقوى الداعمة لها لدفعها إلى ليونة صارت عصية، عصيان إنتاج عصير بندورة من خردة حديد.. فما هي وظيفة المجازر التي ترتكبها طائرات الأسد في حق الناس الباقين في المناطق المحررة؟
مجزرة دوما بالأمس التي أودت بالعشرات، وقعت في سوق شعبية. مثلها، مثل المجازر التي حصلت في الأيام الماضية، في مناطق شمالية عدة. أي أنها استهدفت المدنيين والأحياء السكنية والأسواق التجارية وتقصّدت رفع وتيرة استباحة دماء عموم السوريين، التي «ألِفها» العالم منذ البدايات الأولى للثورة في درعا في 2011.
وطبيعي القول في ذلك، إن التركيبة السلطوية الأسدية مجرمة بنت إجرام، ولا تعرف ولم تعرف في تاريخها سوى تقديم الحد الأقصى من العنف للرد على أي تهديد أو تحدّ لها. وأنها في الخلاصة، جذرية ومتمحورة حول ذاتها، وتقدم عيّنة أدائية شبيهة بتلك التي قدّمها نظام الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية.. لكن ما ليس طبيعياً، هو افتراض أرباب تلك السلطة، أن الإمعان في التعرض للمناطق المدنية يمكن أن يعوّض عن الانكسار المتتالي والمتدحرج في خطوط القتال العسكرية، أو يمكن أن يعدّل في سيرورة الحرب أو في مآلاتها الأخيرة.
الجنرال فرانكو كان يقصف عمق المناطق غير الخاضعة لسلطته في سياق تغطية تقدم قواته على الأرض عبر خطوط التماس مع أعدائه، لكن بشار الأسد يفعل ذلك لتغطية تراجع قواته على الأرض في مواجهة القوى المقاتلة والمعادية له.. أي، حتى في سلّم الفظاعات التي تنتجها عادة الحروب الداخلية (الأهلية) يجلس ذلك الطاغية على أول درجة من فوق! ويقدم أداء لم يبزّه في وحشيته وعدميته، حتى أعتى طغاة العصر الحديث.
ذلك في الإجمال، لا يلغي وظيفة هامشية لتلك المجازر: كأن الاسد يريد أن يقول، إن أي تعويل على أي تغيير في موقف موسكو منه ومن النكبة السورية عموماً، هو غير ذي جدوى. و»الدليل» على ذلك هو أنه يربط مباشرة بين حصوله على»الميغ-31» وتصعيده الإجرامي الفاجر في وتيرة استهداف الناس في بيوتهم وأسواقهم بطائرات روسية الصنع!
يمكن (ببراءة) سؤال موسكو عن ذلك الترابط وتوقيته؟ وعن رأيها في «تكتيكات» حليفها؟