IMLebanon

في الجرود وما جَرَدَ!

يكبّر خطواته الصغيرة «حزب الله». ويعطي أوصافاً طنّانة لأداء رنّان تصل تردّداته الى «أعالي» إيران انطلاقاً من «أعالي» عرسال.

وهذه الجولة مثل كل ما سبقها في الشأن السوري، وقبله في معظم الشؤون التي تنكّبها الحزب وخصوصاً غداة الاندحار الإسرائيلي عن الشريط الحدودي في العام ألفين.. قبل الشأن السوري، كانت هناك علامات كثيرة، «أمنية» وتعبويّة وسياسية وإعلامية، مفلوشة على خارطة واسعة. بعضها في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003. وبعضها في «ضواحي» العراق، من البحرين الى السعودية الى مصر الى الكويت الى الامارات العربية المتحدة وصولاً الى اليمن الذي كان سعيداً.. وبعضها ينفلش من جنوب شرق آسيا الى أميركا اللاتينية الى «شيء» من أوروبا وشطآن البحر الأسود، البلغارية!

وكل تلك العلامات تندرج في السياق ذاته المنطلق من جمهورية «الولي الفقيه»، والعائد إليها حُكماً وارتباطاً وأدلجة وسياسة ومذهبية. بحيث أن تأكيد الولاء للولي، وتثبيت اليقين بولايته لا يتمّان إلا بِدَمْغة ربط المصائر. وهذه لا يضيئها حبرُ الجرائد. ولا أناشيد التعبئة والاستنفار وشحذ الهمم. ولا تكفيها الطقوس المستعارة في المناسبات «والمولدات» والأيام المتصلة بالدين وأركان المذهب. ولا الأخذ البرّاني والشكلي بالمثال الاجتماعي الذي أتت به «الثورة» الى المجتمع الإيراني وإنزاله في نواحينا. ولا الاشتغال الدؤوب والمستدام على تسويق طبائع «الجمهورية» ونتاجاتها.. بل لا يكتمل ذلك الربط، سوى بالدم الذي هو في النشيد الموروث دائم الانتصار على السيف!

وفرادة هذا الربط المصائري، أنّه أحادي على العكس من معناه الأولي. بحيث أنّ «مصير» التابع يختلف عن «مصير» المتبوع! والأولوية للركن المنشود ومركز «الولاية»، تبعاً لكون «حقوق» الجندي فيها مدفوعة سلفاً بترسيخ انتمائه الى «الفئة الناجية»! وبضمان مردود غيبي لا يتحصّل له إلا بالموت وبعد الموت! وهذا مُبَاح ومُشاع، وشرط واجب ولازم كي تبقى الولاية على حياتها! وسعيها لتمكين هذه الحياة! وردفها بمتطلباتها وشروطها. وهذه لا تتنازل عن رفعة تليدة يُراد استعادتها! ولا عن ضخامة ضامرة يُراد إنعاشها! ولا عن إنفلاش جغرافي يُراد تكراره! ولا عن طقوس بائدة يُراد إحياؤها!

ولا تهم كثرة «المصائر» وسِعَتُها، ولا شموليّتها. بل المهم أن تكون هذه، وهي التي تتصل بأقوام وشعوب وكيانات جغرافية وسياسية ودستورية، أمراً عَرضَياً لا يُنزل في مرتبة واحدة مع مصير مركز «الولاية»! ولا يجوز ذلك على ما ورد آنفاً في رواية الحقوق المدفوعة سلفاً! بل الأكيد واليقيني هو أنّ أهل تلك المصائر البائسة، الجنود الرياديون، إنما يسدّدون أثمان ما أخذوه بالانتماء والتقليد! فيما الضحايا يستحقون «مصيرهم» مرّتين: مرّة لأنهم مختلفون أصلاً! ومرّة لأنّهم يعاندون! لا يأخذون بنصيحة! ولا يردّون على طلب خنوع! ولا يسلّمون بالهيّن!

.. قبل ذهابه الى جرود عرسال، جَرَدَ «حزب الله» قِيَماً كثيرة في السياسة والأنسنة وموازين الحق والجور والعدل والظلم، وما بقي إلا القليل على الطريق الى الجَرد!