هناك شيء غير مفهوم في كلام سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا بالأمس عن رفضه ربط الجهود الموحدة دولياً لمكافحة الارهاب بمصير بشار الأسد: إما انه «مأخوذ» بسطوة ضيفه المميز وزير خارجية لبنان جبران باسيل! أو أنه قرر أن يفتح «على حسابه« بعيداً عن سلطة رئيسه فلاديمير بوتين! أو انه مأزوم شخصياً الى حد مجافاة الواقع والوقائع.
لافروف يتجاهل ان الارهاب الراهن في شقه السوري هو جزء من واقع أكبر منه تمثله النكبة السورية. مثلما كان سابقاً في شقه العراقي، ولا يزال الى حدّ ما، جزءاً متفرّعاً من أزمة العراق العامة بعد صدام حسين.
ويتجاهل أساساً، ان بلاده جاءت الى سوريا ولم تفصل بين قصتي «محاربة الارهاب» والبحث عن «حل سلمي» لا يمكن مقاربته من دون «البحث في مصير الأسد».
ثم يتجاهل ان الخطوات العملانية المتعلقة بعمليات القصف الجارية من قبل الطيران الروسي، إنما تتم وسط تنسيق (لا يزال محدوداً) مع قوى عالمية أخرى موجودة في مسرح العمليات وتحمل أجندات واضحة مختصرها ان لا مكان للأسد في مستقبل سوريا، وان الخلاف على «دوره» في المرحلة الانتقالية، لا يعني خلافاً على انه صار جثة سياسية تامة ومنجزة!
صحيح أن قمة انطاليا لم تظهّر «إتفاقاً» على مصير الأسد، لكنها ظهّرت معطيات كافية لأن تدفع بوزير الخارجية الأميركية جون كيري الى توقّع تطورات كبيرة على طريق الحل «خلال أسابيع« معدودة بعد أن كان أكد أن «أيام داعش صارت معدودة»!
والأهم من التفاصيل، هناك الإطار العام والذي يعرف لافروف طبيعته وأطره وأحواله تماماً بتاتاً.. أي انه يعرف، بعد ستة أسابيع من انطلاق «عاصفة السوخوي» ان موسكو لم تتمكن بواسطة القصف الجوي من تعديل موازين القوى، أو دفع الأمور على الأرض الى تغيرات كبيرة (أو صغيرة) تجعلها بالتالي قادرة على فرض وجهة نظرها سياسياً! بل العكس هو الذي حصل. بحيث ان المعارضة السورية هي التي تقدمت في أماكن كانت عصية عليها وهي التي تمكنت من صدّ هجمات كبيرة على مناطق سيطرتها.. في حين ان «داعش» آثر «الانسحاب» الى سيناء وباريس!
وغريب جداً، أن لا يلحظ ناظر الديبلوماسية الروسية أن رئيسه في قمة أنطاليا، وقبلها، بدا أكثر واقعية منه: لم ينطق بحرف عن مصير الأسد، لكنه لم ينطق بحرف واحد في المقابل، لصالح بقائه في مكانه! والأكثر من ذلك، أنه أمر قواته العسكرية في سوريا بالتنسيق مع الفرنسيين باعتبارهم «حلفاء». وكل من عليها يعرف يقيناً، ان الهجمات الارهابية في باريس لم تؤدِّ ولن تؤدي الى تغيير مقاربة فرنسوا هولاند للموضوع السوري من زاوية استحالة الفصل بين الحرب على «داعش» والتخلص من الجثة السياسية لسلطة الأسد!
.. إلا إذا كان السيد لافروف يملك تعريفاً خاصاً لـ»التحالف» غير ذلك الذي تعرفه البشرية في الإجمال، والذي بلغ ذروته مثلاً في الحرب العالمية الثانية التي انتهت بطحن النازية في أوروبا وتصفية كل ما ومن يمت إليها بأي صلة!
صحيح في المقابل القول، ان التحالف في وجه الإرهاب، لا يعني الشيء نفسه إزاء مصير الأسد، لكن صعب جداً، والى حدود الاستحالة، كسر منطق الأمور في مثل هذه الحالات، واستبعاد تدرّج المواقف باتجاه واحد، طالما ان الإطار العام يقول بحل سياسي وليس بحسم عسكري. وطالما ان تحرك بوتين في جملته، محكوم بسقف المصالح الكبرى وليس بأي معطى آخر، مثل ذاك المتعلق «بالدفاع عن المسيحيين» على ما ورد في آخر تخرصات الأسد بالأمس، في حديثه الى المجلة الفرنسية «فالو أكتويل».
وقد يكون لافروف تأثر بضيفه وزير الخارجية اللبناني الى حدّ استخدام الموضوع السوري في بازار التنقيب عن النفط في بحر لبنان مثلاً!؟
.. وهذه قصة أخرى!