قبل ظهر أمس من طهران ناشد الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني المملكة العربية السعودية وقف «عاصفة الحزم».. وقبل ظهر أمس، من طهران نفسها، توعّد «المرشد» على خامنئي المملكة العربية السعودية بتهديدات تربط بين الأنف والتراب!
.. والأنف إنفة. والتراب ملاذ أخير!
لكن الأيام والحِكَمْ والتاريخ وسِير الخلق في هذه الدنيا تقول ان الغرور قتّال والمكابرة عدّة الواهم.. وكل ما عليها وفيها يدلّ على أن الغرور شيء مركزي من أشياء إيران وسياساتها على مدى التاريخ. والمكابرة صنو ذلك، وأن الأمرين، دائماً، ومنذ القادسية الى يوم وقف حرب الخليج الأولى مع صدام حسين في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، الى «موقعة» لوزان السويسرية التي شهدت نكوص الطموح النووي وتلاشيه مبدئياً وعملياً وحسابياً وعلمياً وعقابياً.. ذينك الأمران، كانا السيبة التي أنتجت وقائع التاريخ وأوصلتها إلينا كما هي. وهي «وقائع» وليست تأليفاً قصصيًّا! و»حقائق» وليست فبركة خيال جامح! وأمراً ملموساً ومنشافاً تحت ضوء الشمس وليست أمراً دُبّر في ليل بهدف الكيد والتعيير! وذلك في جملته يدلّ على أن متلازمة الأنف والتراب وضعت هذه المرة، مثل كل مرة، في غير سياقها وفي غير موضعها!
والمشكلة الأبدية (على ما يبدو!) مع إيران وقادتها، قبل الثورة وبعدها، تكمن في مزج الغرور بالمكابرة في وعاء السياسة، والذهاب في التجربة مرة تلوَ مرّة من دون الأخذ بعبر التاريخ ولا بالمردود الكارثي لتلك العبر! والمشكلة بعد ذلك، هي أن صاحب الشأن يعرف المضمون لكنه يرفضه، ويغالي في الشكل، ولا يتوقف إلا بعد فوات الأوان وبعد تبيان عقم الازدواجية والافتعال والانفعال، وعقم محاولة بناء أمجاد ذاتية على حساب الآخرين: جيران الأرض وأخوة الدين، والشركاء المفترضين في المصلحة العامة!
يطلب الشيخ روحاني وقف «عاصفة الحزم» وكأنه الوصي والولي على اليمن! من دون أن ينتبه، أو من دون أن يأبه، الى أن دولته تنفي أي علاقة لها بالانقلاب والانقلابيين، وتنفي أي تدخل لها في شؤون اليمن، ومع ذلك تتصرف وكأن القصف العاصف والحازم ينزل عليها مباشرة! ثم لا ينتبه قادة إيران، أو بالأحرى لا يأبهون لحقيقة أن «الشعب» اليمني يرفض الانقلاب الأقلّوي! ويرفض أن يؤسر على أيدي فرع من فروعه الوطنية! وإلا ما كانت لقوة خارجية مهما كبرت وعظمت على وجه الأرض، أن تتدخل لو كان الأمر غير ذلك!
وفي العموميات تدخل الازدواجية الايرانية من الباب العريض لنكبة الشعب السوري قبل أن تخرج من الشبّاك اليمني: لا يرى الشيخ روحاني ولا قادة إيران مآثر وتبعات دعمهم لسلطة الأسد والنكبة الفظيعة التي ألحقها ذلك بالشعب العربي السوري!.. وفي الواقع الاتهامي فإن إيران لا ترى شيئاً غير مصالحها، وتلك مبنية على أبعاد خاصة بها، ولا علاقة لها كما تبيّن فظاعات هذا الزمان، بأي سياق يتصل بمعاناة اليمنيين أو بنكبة السوريين، أو بأي سياق عام وشامل، وأيًّا كانت طبيعته!
في الخلاصة التي لا يمكن تحريفها ولا تزويرها: السعودية لم تترك باباً إلا وطرقته من أجل «الحوار» اليمني، في حين أن إيران لم تترك باباً إلا ودخلت عبره لإتمام الانقلاب الحوثي ومحاولة ضم ذلك البلد الى خريطة «الامبراطورية» المشتهاة!