في غياب الأفق لأي حل للازمات في الداخل اللبناني، ولا سيما منها أزمة استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، يستمر المجال مفتوحا أمام محاولات تعزيز المواقع وتقوية الأوراق في الداخل. ولذلك يستطيع الفريقان المسيحيان الأساسيان اللذان تصالحا أخيرا، أي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، أن يسجلا نقطة لمصلحتهما في التراجع الذي أظهره رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة الدعوة الى جلسة تشريعية رفض الطرفان المشاركة فيها لغياب مشروع قانون انتخاب جديد على جدول أعمالها، نتيجة عدم جهوزية أي مشروع. كما رفض حزب الكتائب المشاركة. ويعطي هذا الموقف زخما لموقفي الفريقين المسيحيين المتصالحين في غمرة الاعداد للانتخابات البلدية والاختيارية من جهة، وفي إشاعة الانطباع بأن هذه المصالحة كانت في محلها، وهي تؤتي ثمارها بما يمكن تسييله في كل المحطات، انطلاقا من عدم قدرة الافرقاء السياسيين على تجاوز هذه الثنائية تحديدا. وهذا أمر يجد صداه الايجابي والمريح لدى قسم كبير من الرأي العام المسيحي في شكل عام. لكن ما هي الترجمة الفعلية للخطوة التي أقدم عليها الرئيس بري؟ وهل في المكسب الفردي لكل من الافرقاء المسيحيين مكسب بعيد المدى للطوائف المسيحية في شكل عام؟ فالرئيس بري، وإن تراجع شكلا، فهو أدرج موقفه تحت عنوان احترامه للميثاقية وعدم رغبته في التصدي أو الوقوف في وجه المسيحيين. إلا أن وراء الحذر في النقطة المتصلة بالمكسب الشكلي وامكان ترجمته مكسبا للمسيحيين ما تثيره مصادر سياسية من خشية الا يكون المكسب الذي سجل بعيد الامد، وان يكون آنيا او ان يكون مكسبا في المضمون، أكثر منه في الشكل، على رغم إمكان توظيفه لدى المؤيدين والمناصرين. فالسؤال الذي ينبغي أن يثار في رأي هذه المصادر، هو عما إذا كان “حزب الله” يريد قانون انتخابات، أو انتخابات في الظروف السياسية الراهنة، انطلاقا من أن الحزب كان المحرك الأساسي للتمديد مرتين للمجلس النيابي الحالي، على رغم أن حليفه المسيحي يندد بالتمديد ويتهم خصومه السياسيين به. وهذا يندرج في إطار الواقع السياسي وليس في إطار الاتهام، انطلاقا من أن الحزب لا يسمح بإجراء انتخابات رئاسية لا يراها مناسبة بالنسبة اليه قبل اتضاح صورة الوضع السوري بالنسبة اليه ومصير بشار الاسد الذي يود أن يبقى كما قال مسؤولون إيرانيون حتى نهاية ولايته الرئاسية، الامر الذي يعني أن لا مصلحة تاليا للحزب في وضع قانون انتخابات جديد راهنا، وهو ليس مستعجلا في شأن الوصول اليه. ويعرف الجميع من دون شك أن الاتفاق على قانون انتخاب جديد هو أكثر صعوبة الى حد بعيد من انتخابات رئاسية بات الحزب يملك ناصيتها عبر مرشحين ينتميان الى فريقه، ولا يفرج عنها على رغم مرور سنتين على الشغور في سدة الرئاسة الاولى. وتاليا، فإن إعلان الرئيس بري احالة 17 مشروع قانون انتخاب على اللجان المشتركة من أجل البحث عن قواسم مشتركة والانتهاء الى قانون يتفق عليه الجميع – ويتوقع ان تستغرق اللجان سنة أو اكثر بكثير لذلك- يستتبع سؤالا هو كيف يمكن الذهاب الى انتخابات على اساس قانون جديد يريده الافرقاء المسيحيون من اجل صحة التمثيل، وفق ما ترفع مطالبهم، علما ان الدوران في حلقة الفراغ الحالي سيؤدي على الأرجح الى الوصول الى موعد الانتخابات النيابية المقبلة من دون قانون جديد ليست الظروف متاحة للوصول اليه، في ظل ظروف غير متوافرة او غير مناسبة. اما اذا حصل اصرار غير مسبوق على هذه الانتخابات نتيجة ضغوط دولية وداخلية غير مسبوقة استنادا الى انه قد يسري على موعد الانتخابات النيابية ما سرى على التمديد الاول والثاني للمجلس الحالي، فسيتعيّن على الافرقاء خوضها وفق قانون الستين، كما تم الاتفاق عليه في الدوحة، ليس أكثر ولا أقل. وثمة كلام عن استعداد “القوات” و”التيار الوطني الحر” لانتخابات على قانون الستين، بعد المصالحة بينهما، وخصوصا أن الامر سيكون مربحا لرئيس “القوات اللبنانية” على الأرجح، لأنه سيحصد من حصة الرئيس سعد الحريري مسيحيا على الارجح، الا ان الشعارات المرفوعة عن صحة التمثيل وحقوق المسيحيين لن تتحقق بالعودة الى القانون السابق للانتخابات، ومن دون أي قدرة على تعديل أي حرف او دائرة، وما الى ذلك في ظل الحملات السياسية والمعارك التي تخاض تحت عناوين تصحيح التمثيل واستعادة الحقوق.