IMLebanon

في «أدب» مفقود!

 

لا يُفاجئ أحداً أداء أهل ممانعة آخر زمن في نواحينا، مثلما كان الحال دائماً وأبداً، في كل شأن أو أمر يهمّ عموم اللبنانيين ويتّصل بمصائرهم وأحوالهم السياسية والاجتماعية والمالية والاقتصادية العامة.. والمعنوية بطبيعة الحال!

 

وذلك الأداء، كيدي وشديد الأنانية بالمعنى السياسي.. وتعوزه قيم كثيرة بالمعنى الأخلاقي. وهذه تشتمل على شيء يُقال له احترام أصول الخصام والكباش والقتال! وامتلاك الشجاعة الأدبية الكافية لاتخاذ موقف و«الدفاع» عنه! ورذل العادة المتّبعة والمألوفة بالكذب أولاً وبتحميل الغير مسؤولية التأزيم ثانياً، وادّعاء البراءة ثالثاً! وارتكاب الجريمة ثم التنصّل من تبعاتها رابعاً!

 

مضى زمن اللّطم والتحسّر على حقيقة أنّ لبنانيين يعتبرون الولاء التام للخارج الإيراني، أو الأسدي أولى من عوامل المواطنة الذاتية وأهم بأشواط من الولاء للداخل الوطني. وذهبت إلى جهنّم الحمراء مراهنات البعض من أهل النيّات الطيّبات والسِّيَر الحميدات، على يقظة ما حتى لو تعلّقت أهدابها بالإنسانيات وشروطها الأولى طالما أن الارتباطات الفعلية مقفلة بجنازير الانتهازية والوصولية والمالية و«النضالية» والحزبية والمذهبية التامّة والمكتملة، وإن أُعطيت توصيفات مقدّسة، تبدأ من «المقاومة» وتمرّ على «الممانعة» وتصل إلى «الأمّة».. وما بين ذلك كله من هوامش أرضية ومنزّلة وتتماوج بين «المستضعفين» و«المستكبرين» والحلال والحرام!

 

ودأب الآلة التعبوية عند هؤلاء لا يُقارن بغيره، سوى أنّ البخّ الكيدي التأزيمي العصابي العدائي المضخّم قصداً ونهجاً ومراساً، لم يفعل في الآخرين ما فعله بأهله وجمهوره أولاً وأساساً! ولا ينكر سوى الغاشي والضّحل «نجاح» ذلك الضخّ في موضعه المذكور حتى صار الضحية يلبس ثياب الجلاّد ويفعل فعله! والمقاتل للمحتل أرضه، معتدياً على أرض غيره! والمخضرم في المعاناة من صنوف الاستبداد والقتل والتهجير والعنف الضاري، صار منتشياً بإنزال كل ذلك البلاء بغيره! واللاهج بالتاريخ الديني من زاوية الحقّ والجور والدم والسّيف مزغرداً لانقلاب الأدوار إزاء عموم السوريين وما تيسّر من اللبنانيين «الأغيار»! والمعبّأ على سردية مناهضة الطغاة العتاة، ضارباً بسيفهم! ومدافعاً مناحفاً عنهم! ومزهوّاً بمشاركته بالفتك النازل بجموع بشريّة تامّة جلّها يشهد بالشهادتين! وموسوم بعروبة تامّة تقارب الأفلاطونية التامّة! وجلّها في التاريخ كان سيّد «الجهاد» أيام «الجهاد»! وسيّد «النضال» أيام «النضال» وسيّد الفداء أيام الفداء! ومن أيام الحملات الصليبية حتى الحملات الصهيونية! ومن تخوم الأناضول إلى تخوم الجليل! ومن شام هشام إلى أندلس عبد الرحمن الداخل!

 

فعل ذلك الدّأب التعبوي فعله بأهله! وأعاد تركيب الوعي شبه الفطري والمتراكم بما يلائم اللحظة السياسية وعناوينها العابرة. وأثمر تلاعبه باليقينيات والموروثات والهويّات، نتائج بعيدة المدى والأثر، ولن تكون بالتأكيد، عابرة عبور الانتهازية اللحظوية المسبّبة لها!.. لم يُراجع نفسه صاحب تلك الأجندة! ولم يتوقف لحظة على الطريق لمعاينة آثار دعساته المدمّرة عليها! بل إن الإصرار على العته عنده لا يوازيه سوى الوقاحة في التسويق والتبرير والإفصاح والكلام المباح.

 

.. أصحاب مقولة النفوذ الحاسم في أربع عواصم عربية لا يحقّ لهم التهرّب من مسؤولية دمارها ورميها على السعوديين مثلاً! وأصحاب نظرية الأدوار الإقليمية «العظمى» لا يحقّ لهم إتّهام السياسيين اللبنانيين بتخريب جهود إقفال طريق الأزمات المتتالية والمتنوعة لبنانياً! وأصحاب نظرية أولوية «المقاومة» لا يحقّ لهم اتّهام الآخرين بالمسؤولية عن تداعيات ومعاني تلك الأولوية! والمشارك المنتشي والمؤدلج بنكبة النزوح السوري لا يحق له المزايدة على الآخرين في كيفية إنهائها! والمنتشي بدفاعه عن مخلوق مثل بشار الأسد لا يحقّ له إعطاء الدروس في أصول الحكم والحكومة في لبنان! والمنظّر للجريمة السياسية والجرائم ضد البشرية لا يحقّ له إلقاء محاضرات أخلاقية على الضحايا! والمنتمي إلى نظرية «الفسطاطين» لا يحقّ له إتّهام لبنانيين آخرين بتأزيم لبنان وتخريبه أو بقبول تأثير الخارج العربي عليه!