عن أي «جيش» سوري يتحدّث «حزب الله» ويريد به أن يربّع الثلاثية المدّعاة؟ وعن أي «نظام» في دمشق يريد للدولة اللبنانية أن تعود إلى التنسيق معه؟ بل عن أي «دولة» سورية يتحدّث طالما أن أصحابها أنفسهم ما عادوا «يصدّقون» أنّها لا تزال موجودة؟ و»حزب الله» أول وأكثر العارفين، أن بقايا تلك الأطر الدستورية المفترضة صارت تشبه المقاطعات المحكومة ذاتياً، وكل واحدة منها تكيّف حالها وأوضاعها و»أنظمتها» تبعاً لظروفها الخاصة ومحيطها الجغرافي!
ما يعرفه القريب والبعيد، العدو والحليف، والمتآمر والنظيف، هو أن في دمشق بقايا منظومة فئوية شبه عائلية وليس نظاماً مُحكم السلطات والصلاحيات! وأن أصغر «مستشار» إيراني أو ضابط ارتباط روسي يمتلك من سلطة القرار ما يفوق سلطة رأس تلك المنظومة! وهناك بقايا جيش كان تعداده ذات مرّة يقارب النصف مليون إنسان ولم يبقَ منه سوى وحدات متناثرة أبرزها «الفرقة الرابعة» المولجة أصلاً وأساساً مهام «الحرس الجمهوري»! وأن الأجهزة الأمنية المتراكمة فوق بعضها البعض صارت منخورة من رأسها إلى أسفلها بالولاءات الروسية والإيرانية (والإيرانية أساساً). وأن طهران تتدخّل حتى في تشكيلات البعض منها، وتوزّع مهام ضبّاطها، وتتصرّف تماماً، مثلما كانت السلطة الأسدية تتصرّف في لبنان في حقبة الوصاية الموءودة إلى الابد!
تريد أن تأكل رؤوس الناس، ماكينة الممانعة الشغّالة والدوّارة على مداها هذه الأيام.. تبني على مُعطى تقاطع التكالب شرقاً وغرباً عند إكمال نكبة شعب سوريا ثمّ عند الحفاظ على شكل سلطوي ما فوق خريطة نفوذ متشظية، موزّعة على الروس والأميركيين والإسرائيليين والإيرانيين والأتراك (أم ماذا؟)، لترمي كل تلك الحقائق جانباً، وتبني في مقابلها حالة وهمية متعدّدة الأوصاف.. تارة تتحدّث عن «انتصار النظام»! وتارة عن التنسيق مع «الجيش السوري». وتارة عن «ضرورة» الاحتكام إلى «الواقعية» من قِبَل «المعاندين» اللبنانيين! وتارة (ودائماً!) تستخدم مصطلح «سوريا» وكأن دنياها لم تتزلزل على مدى السنوات الماضيات! أو كأن هذه الـ»سوريا» لا تزال هي ذاتها على الأرض وفي الواقع!! وما كان تهجير أكثر من نصف أهلها داخلياً وخارجياً وقتل نحو مليون منهم (وربما أكثر!) وترميد عمرانها واقتصادها وقدراتها، وتشليع بنيانها وسيادتها.. ما كان ذلك كله، سوى غيمة صيف عبرت في سماء الممانعة، من دون أن تغبّر على نقائها وصفائها ومنعتها ودوام حالها!
تريد منظومة «حزب الله» وتوابعه، أن تقول للبنانيين إنه لم تعد هناك أي مشكلة في «سوريا» وازائها، سوى «العلاقة» مع الجار اللبناني! وأن تلك العلاقة يجب أن تستعيد ألقها لأنها مصلحة للبنان أكثر من «سوريا»! وأن على اللبنانيين أن «يلحّقوا حالهم» في ذلك قبل أن يأخذ غيرهم الدور والجائزة ولبن العصفور! لكنها تنسى في أنشودتها المشروخة هذه، أن تقدّم بعض الشروحات والتفاصيل! وخصوصاً (مثلاً) أن بقايا السلطة الأسدية غير قادرة على تنظيم علاقاتها مع «ناسها» حتى في مناطق نفوذها المحمية بالروس والإيرانيين والميليشيات المذهبية والطائفية! وغير قادرة على «إعادة العلاقات» بين دمشق وأدلب! أو بين اللاذقية والرقّة! أو بين طرطوس شمالاً ودرعا جنوباً! بل هي غير قادرة حتى على «تركيز» وقوفها (الموقت) على العكّازتين الروسية من جهة والإيرانية من جهة ثانية!
حبذا لو يتواضع «حزب الله» قليلاً، ويخفّف عن لبنان واللبنانيين تبعات «انتصاراته»! وحبذا لو يركّ بدلاً من ذلك على محاولة «التنسيق» بين جماعة بني حوث والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في صنعاء.. فذلك أفضل له وللممانعة و»انتصاراتها»!