IMLebanon

 في ذكرى «فتى الكتائب».. العدالة آتية لا محالة

في الواحد والعشرين من تشرين الثاني العام 2006 وتحديداً عشية ذكرى الإستقلال، ترجّل ثلاثة مجهولين من سيّارتهم من نوع «هوندا» رباعية الدفع سوداء اللون في منطقة الجديدة في ضاحية بيروت الشمالية وأطلقوا رصاص الغدر على سيارة كان في داخلها الوزير بيار الجميل ليكون الشهيد السادس الذي يسقط على طريق العبور إلى الدولة بعد الرئيس الشهيد رفيق الحريري والوزير باسل فليحان والصحافي سمير قصير و«أبو المقاومة» اللبنانية جورج حاوي والنائب الصحافي جبران تويني.

تسع سنوات مرّت على استشهاد الوزير بيار الجميل الحالم بلبنان أفضل، تسع سنوات والذاكرة لم تُشفَ من رحيله بعد، وهو الحاضر الدائم في عقول اللبنانيين الأحرار والساكن في عيونهم وأحلامهم، يروون عنه قصصا وحكايات لها إمتدادات متجذرة بعنفوان يُشبه الأرز في بلاده، فينزع من تربته الخوف على أمل أن يحصد في غده جيلا مدموغة جباهه بلون الحريّة والإستقلال الموعود، ولأنه من هذه الطينة ومن هذه الارض، كان القرار باغتياله.

يوم استشهاده خرجت الإستنكارات المنددة بالجريمة ووجّهت أصابع الإتهام إلى مجرم موصوف بارتكاب الجرائم. وكان أوّلهم مجلس الأمن الذي وصفها بـ»الإرهابية» وسُجل إجماع دولي ولبناني على المضي في اقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مع التحذير من انعكاسات الجريمة على السلم الأهلي وهو ما كان يسعى اليه القاتل، لكن دم الشهيد بيار الجميل كان أكبر من الفتنة وأحرص على الإستقرار الأمني في البلد، وها هي المحكمة الدولية اليوم تقف على مسافة قريبة من القاتل الذي افتتح عهد الجرائم في لبنان بإنتظار الصوت الذي سيعلو في أرجاء القاعة صارخاً «محكمة».

يوم فرض الظلاميون الحجر على الوطن ويوم تحوّلت يد الجار إلى سكين تذبح بأبناء الحريّة والسيادة والإستقلال، إنتفض بيار الجميل مع أبناء الخط الوطني ليصرخوا بأعلى صوتهم «لا». هدموا الجدار الذي فصل بين أبناء الوطن الواحد لعقود من الزمن وكسروا حاجز الصمت وأيقظوا الكلمة من سباتها وأخرجوها من سجنها ليعود شعاع الحق والأمل إلى عيون الأطفال والعجائز ولتستمر الأحلام في ملامح الأجيال القادمة وفي براءة ولديه أمين والكسندر.

أراد بيار الجميل لم شمل العائلة اللبنانية بجناحيها المسلم والمسيحي، أراد توحيد صفوف حزب الكتائب وإعادته الى جذوره الأصيلة بعدما كانت اختطفته يد الوصاية لفترة طويلة. لكن الكلفة كانت باهظة، كانت حياته لكنه لم يبخل بها على وطن زرع في كل زاوية فيه حكاية أمل بغد مشرق، ولذلك لم يكن رحيله خسارة لعائلته او حزبه أو رفاقه فقط، بل كان خسارة لكل من آمن بوطن خارج قيد التملّك والتفرّد والإستئثار، فكان حقه على الجميع أنه شهيد «إنتفاضة الإستقلال الثاني».

تسأل عنه بين صحبه ورفاقه وداخل عائلته، والإجابة الوحيدة أن بيار شكّل مجموعة من أصدقائه السياسيين المعروفين وهم من جيل الشباب، حالة شبابية خاصة يملؤها نبض الحياة، اختصروا بتطلعاتهم آمال شعب توّاق إلى الحريّة والعيش بكرامة بعد اكثر من ثلاثين عاماً من الذل والمهانة على يد «الإستعماريين» الجدد، فلم تُرهبهم المدافع ولم تُدغدغ وطنيتهم المواقع. منهم من رحل على الطريق نفسه ومنهم من أُبعد عن قرار السلطة قسراً، ومع هذا ظلّ لبنان الأولوية للحالة التي بدأت مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتجذرت باغتيال بيار وتكرست مع اغتيال الوزير الشهيد محمد شطح آخر شهداء قافلة العبور إلى الدولة.

الدور المعوّل على المحكمة الدولية في الكشف عن الجرائم المرتكبة منذ العام 2005 حتى اليوم، أكده الرئيس سعد الحريري في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد ظهر اليوم نفسه في قصر قريطم ساعة تبلغ نبأ الإغتيال عندما قال: يريدون ان يقتلوا كل واحد منا واستئناف مسلسل الاغتيالات الذي وعدوا به. لم يعد هناك من شيء لكي نتكلم عنه مع هذا النظام القاتل وهناك المحكمة الدولية بيننا«.