رغم الفراغ، والفساد، وفوضى الحكم، والاحتقان المذهبي المخيف، وتفكك المؤسسات، وقلق اللبنانيين على الحاضر والمستقبل، واقتحام الارهاب التكفيري النسيج الوطني اللبناني، وتدهور الاقتصاد، وتجدد الهجرة الكثيفة لدى الشباب اللبناني، ارفض ان اصدّق او أن اسلّم، بأن دماء الزميل الحبيب جبران تويني، ودماء رفاقه في انتفاضة 14 آذار، ودماء ضباطنا وجنودنا، وعشرات المدنيين الابرياء، ذهبت هدراً، وكأن استشهادهم كان لحظة عابرة، ولم يترك بصمته على حياة اللبنانيين واراداتهم وقراراتهم ومواقفهم، وكأن قسم جبران بأن «نبقى موحّدين، مسلمين ومسيحيين، الى ابد الآبدين» لم يكن سوى حلم من احلامه الكثيرة في انتصار الحرية والديموقراطية والسيادة والاستقلال، وقيام الدولة المدنية القوية العابرة للطوائف والمذاهب والانقسامات السياسية.
في 12 كانون الاول 2005، حرم المجرمون المجهولون لبنان، من قيادي متميّز في الصحافة والسياسة والنيابة، والنضال من اجل قيم الحق والسلام والحرية وقبول الآخر، كان سلاكه العقل والقلم، في عالم ومحيط لا يعرفان سوى الجنون والقتل، صوته كان يزعج السفّاحين، وقلمه كان يخيفهم، وشجاعته كانت تكشف جبنهم وتآمرهم وعجزهم عن المواجهة والمقارعة، كما يفعل المتحضّرون، ولذلك حرصوا على أن تكون العبوة المتربصة به، بحجم عبوة لاسقاط مبنى من طبقات عدّة، ومرة اخرى في هذا العالم البائس، انتصر الشر على الخير، بغفلة من الارادة الكبرى، بمثل ما انتصر قبل جبران وبعده، وما زال يحقق الانتصارات حتى اليوم، وكأنه حكم على اللبنانيين، ان يغتسلوا بالدم والآلام والدموع، قبل ان تمتد اليهم يد العون والخلاص، من هذا الايمان بالذات، رفضت وارفض مقولة «ضيعان اللي راحو»، او «راحت على اللي ماتو» او ان دماء جبران ومن مثله ذهبت سدى.
شهداء 14 اذار، وشهداء الجيش وقوى الامن، والمدنيين، يموتون فعلاً، عندما يسلّم اللبنانيون، ويستسلمون للقول ان العين لا تقاوم المخرز، وان الانتصار لا يولد من رحم الاستشهاد، ولا اعتقد ان اللبنانيين سيرضخون امام الواقع الصعب، لان اللبنانيين الذين قدّموا 200 الف شهيد ومئات الوف الجرحى والمعوقين، ليصلوا الى يوم مثل يوم 14 آذار، وواجهوا آلة القتل بمزيد من التحدّي والاصرار على الثوابت الوطنية، لن يسقطوا قبل انتهاء المواجهة مع الشرير، بانتصارهم عليه، وإلا يكونون قد خانوا حقاً دماء جميع هؤلاء الشهداء، الذين زرعوا كالقمح في كل زاوية وحقل وميدان من لبنان، لينبتوا مع كل ربيع، سنابل مثقلات بالعطاء، حتى اذا اتى يوم انتصار الخير، يكون حصاد دماء الشهداء الزكية وفيراً.
في ذكرى استشهادك يا زميلي وصديقي جبران، تكبر القصة في الصدور، لان احلامك الكبيرة التي استشهدت من اجلها، لم يتحقق منها الكثير، والقليل الذي تحقق، يكاد ينضب لاسباب تعرفها انت كما نعرفها نحن، والمؤلم ان بعضها من صنع اهل البيت…
تمنياتنا عليك حيث انت مع باقي الشهداء، ان توقظوا العناية الالهية، لتساعد شعب لبنان على انقاذ وطنهم وارزهم، ليبقى لبنان وطن الحرية، ويستمر ارزه حاملاً اسم ارز الرّب، بدلاً من ان يتحوّل الى خشب لتدفئة الطامعين به، او مسلخ لذبح البشر على ايدي التكفيريين.
سلامي للجميع… نحن هنا لسنا بخير!