IMLebanon

في الذاكرة الأرمنية مجازر لا تُغتفر.. ووفاء للبنان

موقف تركيا من أوضاع سوريا يعيق تعاطف مؤيدي «الثورة»

في الذاكرة الأرمنية مجازر لا تُغتفر.. ووفاء للبنان

لا تكشف الأصوات المستاءة من الاحتفاليات بالذكرى المئوية الاولى للمجازر الارمنية عمق الخلافات بين اللبنانيين فقط، بل تعكس بعضاً من حجم سقطاتهم الانسانية والأخلاقية. أن يتذكر الأرمن المجزرة التي طالتهم قبل قرن من الزمن، وأن يطالبوا بالاعتذار على جرائم قتلهم وتهجيرهم واغتصاب نسائهم وتعذيب أطفالهم وتدنيس مقدساتهم، فهذه ترجمة حقيقية لمعنى أن تكون ذاكرة الشعوب حية، كي لا يعيد التاريخ نفسه، بفعل بعض الغباء الإنساني.

أعلن وزير التربية، أمس، إقفال المدارس الرسمية والخاصة في مناسبة الذكرى المئوية للمجازر الارمنية. هي مناسبة ليتشارك، أقله، طلاب لبنان المعرفة بما عاناه مليون ونصف المليون إنسان سقطوا مطلع هذا القرن، في لحظة غضّ العالم فيها النظر.

قد تكون مناسبة لرفع الصوت ضد كل مجزرة أو «إبادة» كما وصفها البابا فرنسيس. وهذا ما حاول اللبنانيون ذوو الأصول الأرمنية أن يفعلوه منذ نحو شهر الى اليوم في أنشطة ومحاضرات وندوات ولقاءات مختلفة. يريد الأرمن أن تبقى قضيتهم حية كي لا تتكرر مأساتهم مجدداً، وكي لا يمر أي شعب بما مرّوا به. يريدون الاعتذار والتعويض احتراماً لشهدائهم ولقصص لا تنتهي عن مآس طبعت في ذاكرة الآلاف ممن نجوا من المجزرة. أحفاد هؤلاء يتذكرون ويطالبون في بيروت والعالم. يتهمون السلطنة العثمانية ويسألون ورثتها الاعتذار.

إلا ان الموقف المبدئي والأخلاقي يتزعزع في لبنان عند دخوله في زواريب السياسة المحلية. بالنسبة الى بعض اللبنانيين «تركيا اليوم دولة محورية. دولة لها تجربة إسلامية وديموقراطية متميزة، لكن الأهم انحيازها في الموضوع السوري ضد النظام». وهذا هو جوهر الموضوع.

إلا أن شباناً أرمناً، من خارج الأحزاب الأرمنية والمتعاطفين مع «الثورة» في سوريا، يروون أن «الأسباب التي يعترض عليها بعض اللبنانيين في إدانة تركيا ودعوتها الى الاعتراف بالمجزرة، هي بالضبط الاسباب التي يجب ان تدفعها الى الإقرار والاعتذار. فتركيا أمام اختبار أخلاقي وإنساني قد ينقلها من ضفة الى اخرى. فإقرارها باضطهاد الارمن يعود الى مئة عام مضى، أي أن سفاحي ذاك العصر، أصحاب الفعل المباشرين لم يبق منهم أحد حيّا. فإذا كانت تركيا حريصة على عدم ارتكاب المجازر بحق أي شعب، كما تدعي في حديثها عن سوريا، فمن باب أولى ان تقّر بما ارتكب قادتها في زمن سابق. لن تتوقف المجازر ومحاولات الإلغاء إلا متى اعترف المذنب بذنوبه وطلب أن تُغفر له. يجب أن يبرز من بين الحكام الأتراك شخص يتمتع بالنبل الأخلاقي والانساني ليقر ويعتذر، فتُتفح صفحة جديدة في العلاقات الإنسانية».

منذ نحو سنة والأحزاب الأرمنية في لبنان، المختلفة في قراءتها للشؤون اللبنانية والسورية وحتى في الوضع الداخلي في ارمينيا، تضامنت على إحياء الذكرى والتقت في لجان موحدة. حطت ذكرى المجازر الارمنية في كل جامعة لبنانية وفي كل حزب وفي مراكز الاحتفالات. حتى شركة طيران الشرق الاوسط نظمت رحلات يومية على امتداد اسبوع لنقل الراغبين بزيارة ارمينيا والمشاركة بالاحتفالات التي بدأت منذ مطلع الاسبوع هناك. في العادة هنالك رحلة اسبوعية واحدة الى ارمينيا.

مئات اللبنانيين سيشاركون في تلك النشاطات والاحتفالات. مئات آخرون، خصوصا ممن جذورهم ارمنية، يتمنون لو يستطيعون الى ذلك سبيلا. لكن اللبنانيين الارمن الذين يحلمون بزيارة ارمينيا يعتبرون لبنان وطنهم «الذي لا يمكن استبداله أو التنازل عنه». أما أرمينيا، فهي الجذور والحنين وبلد الأجداد»، كما يقول مسؤول حزبي، مضيفاً «لذا يحزننا كثيراً أن نسمع بعض الاصوات التي تستسهل التهجم على ذاكرتنا ووجعنا وجروح أهلنا التي لم تندمل. مشكلتنا في لبنان أن معظم الاطراف تجد ان بعض الخارج أقرب إليها من شريكها في الداخل. ومع ذلك فنحن كأرمن سنتمسك بذاكرتنا. ذاكرتنا التي تخبرنا أن لبنان شرّع قلبه وأرضه لأهلنا، واننا مدينون له بالولاء والحب، كما ندين لذكرى أجدادنا بالاحترام والحرص على ألا تذهب دماؤهم هدرا».