IMLebanon

المرامل في ميروبا: فصل جديد أم آخر الفصول؟

 

في البحر هناك الغاز وفي ميروبا هناك الرمل. اكتشف أهلها «الكنز»، فعاثوا فيها خرابا. آخر الفصول، هو مهر المرامل بالشمع الأحمر وإيقاف العمل بـ«أوامر» من ابنة رئيس الجمهورية، كلودين عون روكز. ولكن ماذا بعد؟ هل سيصمد قرار الإقفال؟ وماذا عن بقية المساحات اللبنانية المُدمرة؟ وهل تكون ميروبا أول الغيث لتنظيم القطاع، الذي يعتاش منه سياسيون ورجال أعمال وأمنيون وعسكريون؟ أم أنها موجة أخرى وتمضي؟

ميروبا، في جرد كسروان، هي إحدى أجمل بلدات الاصطياف اللبناني. كانت توصف كدواءٍ لمرضى الربو، بسبب مناخها وطبيعتها الخضراء قبل أن تُحوّلها المرامل إلى منطقة منكوبة. ألوان الأشجار أصبحت رمادية، تُعاند البقاء وسط ما يُشبه «الصحراء». بلدة «خنقها» أصحاب المصالح.

غيّروا معالم الأرض فيها. لوّثوا المياه الجوفية، والينابيع. التربة الخصبة دُمرّت. والتعدّيات على عقارات أهل ميروبا لا تُحصى، كعدد من العقارات في حي القواص. مافيا «دولة المرامل» في جرود كسروان، كانت دائماً محميّة من رؤساءٍ للجمهورية وأفراد عائلاتهم، ومن نواب ووزراء سابقين، والـ«تنسيق» الكبير بين أصحاب المحافر والقوى الأمنية، وكذلك المجالس البلدية المتتالية منذ الحرب الأهلية. المعتدون يحفرون في الجبال، طمعاً بـ«منجم الرمل». يقبضون على قرار المنطقة بسطوة السلاح، والممارسات الميليشياوية. كلّ فترة، كانت السلطات المعنيّة تعمد إلى إقفال المحافر، ليُعاود أصحابها كسر القرار ومزاولة أعمالهم. ضاق أهالي ميروبا ذرعاً بالفلتان الحاصل، وعجز كلّ المرجعيات عن إيقاف المجزرة البيئية، إلى أن تدخلّت مستشارة رئيس الجمهورية لشؤون البيئة كلودين عون روكز، بناءً على طلب مجموعة «أنقذوا ميروبا»، المؤلفة من ناشطين في البلدة. وصل الأمر حدّ إصدار المدعي العام البيئي في جبل لبنان أمراً بإقفال الطريق المؤدية إلى المحافر، ومهرها بالشمع الأحمر. لم يهضم أصحاب المرامل القرار، فعمدوا إلى إيقاف شاحناتهم على جانبّي الطريق المؤدية إلى أحياء ميروبا، في خطوة استفزازية، يُراد منها التهديد بأنّهم سيُقفلون مدخل البلدة في حال لم تُفتح المرامل من جديد.

16 محفاراً

يشرح أحد الشبان المنضوين تحت مجموعة «أنقذوا ميروبا»، والذي رفض الكشف عن هويته، ان «هناك ما يُقارب الـ١٦ محفاراً، ٥ منها لأفراد من خارج ميروبا. إضافة إلى الجبالة التابعة لمؤسسة رشيد الخازن والتي تُشغلها شركة نخلة زغيب». الجبالة تعمل «وفق تعهد وإقرار موقع من قبل مديرها جورج خديج وبضمانة شخصية من (النائب السابق) فريد الخازن بإنهاء إشغالها للعقار ١٠٣١ بتاريخ أقصاه ٣٠ تشرين الثاني ٢٠١٧».

نجح أصحاب المرامل في بسط سيطرتهم، «لا سيّما خلال السنوات الممتدة من الـ٢٠٠٨ وحتى الـ٢٠١٤». الملفّات التي جمعتها مجموعة «أنقذوا ميروبا»، توثّق كيف تطاولت الحفّارات على المنطقة الخضراء، التي تُعد محمية طبيعية. حتى أنهم «يشغلون أملاكاً تابعة لراهبات دير حراش، مقابل بدل مادي».

خلال السنوات الماضية، «لم يكن بالإمكان أن يوقفهم أحد، وقد اعتدوا بالضرب على رئيس البلدية السابق». ولكن منذ شهر ونصف، «قرّرنا تفعيل التحرك، والتوجه إلى كلودين عون روكز. بعد زيارتها للمنطقة، واكتشافها التلوث في مياه الينابيع، فقرّرت المساعدة لوقف المرامل». طلبت السلطات بداية أن تُسحب الماكينات من داخل المرامل، فلم يمتثل أصحابها للأوامر، وبقي تهريب الرمل ليلاً. لتتدخل بعدها «القوى الأمنية وتختم المرامل بالشمع الأحمر». هدّدوا بقطع الطريق وإحراق الدواليب، «فوصلهم خبر أنّ أي ردّ فعل سيواجه بالقوة». فتعرض رئيس البدية عبدو خليل لمحاولة اعتداء.

١٤,١٪ من مساحة البلدة

في دراسة لبلدية ميروبا عن الواقع البيئي فيها، يتبين أنّ مساحة الأراضي المستثمرة في استخراج الرمول تبلغ قرابة الـ١١٥٨٠٦ أمتار مربعة، أي ١٤,١٪ من مساحة البلدة. هناك مساحة من الحفر جرى استصلاحها وأعيد تأهيلها عام ٢٠٠٤، قبل أن يُعاد استخراج الرمول منها، وتبلغ مساحتها ٢٤٧٤٠ متراً مربعاً. بتاريخ ١٤ آب الماضي، قرّرت البلدية التوقف عن الحفر والتعدي على الأملاك والطرقات العامة وفي أي عقار غير مرخص ضمن المنطقة، وعدم إعطاء أي مهل إدارية بدون موافقة المجلس البلدي. «صودف» تغيب نائب رئيس البلدية شربل نخول، من دون عذر (ولا يزال حتى الساعة مُعتكف عن ممارسة مهامه البلدية)، عن هذا الاجتماع وهو مالك لأحد المحافر. وبحسب المعلومات، فقد قدّم أ. سلامة إلى بلدية ميروبا شكوى بحق نخول، اعتراضاً على تشويه الأخير للمنطقة الخضراء. الشكوى «اختفت» من سجلات البلدية.

١٧٠ شاحنة في الليل

يُخبر رئيس البلدية عبدو خليل لـ«الأخبار» أنّه منذ تسلمه مهامه (استقال الرئيس السابق الياس خليل بهدف الترّشح إلى الانتخابات النيابية)، «نظّمنا لقاءً لمالكي المرامل لتنظيم هذا القطاع وإيجاد حلّ معهم. بعد أن سيطرت الفوضى، وكان عدد الشاحنات التي تنقل الرمل قد بلغ، في بعض الليالي، ١٧٠ شاحنة». لم تنتج أي إيجابية عن ذلك، وبالتزامن «تعرّضت لقدح وذمّ وتهجم أمام منزلي، فقرّرت إيقاف كلّ مسعى». أصحاب المرامل، كـ«الياس مجيد سعادة، طوني مهنا، جورج خليل، سامر زغيب، طوني الياس سعادة، ديب خليل، خليل موسى خليل، ربيع خليل، شربل نخول، غسان سعادة»، يُحاولون الضغط عبر عددٍ من السياسيين، «مثل فريد هيكل الخازن ومنصور البون وشامل روكز وجوان حبيش». إلا أنّ جُلّ ما يفعله هؤلاء هو الاستفسار «لأنّ حجم المشكلة أصبح أكبر من أن يتمكن أحد من حمله». على العكس، «سمعنا دعماً مباشراً من الوزير جبران باسيل. والقوات اللبنانية أعلنت أيضاً أنها إلى جانب البلدية والأهالي». لذلك، يبدو المعنيون في ميروبا متفائلين هذه المرّة باستمرار إقفال المرامل، لا سيّما مع دخول البلاد موسم الانتخابات النيابية. ولكن، انتشرت أخبار عن أنّ الشمع الأحمر فُكّ عن إحدى المرامل. يوضح خليل أنّ «مزارعاً يملك أرضاً مزروعة بندورة يصل إليها عن طريق المرامل. فطلبنا أن تُفتح ليتمكن من قطف زرعه».

658 موقعاً تنهشه المرامل

ميروبا ليست استثناءً في هذا المجال. بل مُجرّد مثال للمرامل والحفريات والكسارات والجبّالات المنتشرة في لبنان. كما في ميروبا كذلك في عين دارة، ومرجعيون، وجبال عكار، ورعيت، ومرج بسري، وكفرمتّى، وغيرها من المواقع التي تُقفل بالشمع الأحمر ليُعاد العمل بها لاحقاً. منذ 25 عاماً، والدولة تعجز عن تنظيمها. حتّى أن آخر مسح حولها، حصل في الـ2010 بطلبٍ من وزير الداخلية السابق زياد بارود، فتبين وجود 658 موقعاً. كان ذلك قبل سبع سنوات، أي أنّ العدد ارتفع، مع العشوائية في هذا القطاع وغياب أي رقابة. فهل الضغط لإيقاف مرامل ميروبا، الذي قادته كلودين عون يصب في خانة الحملة الانتخابية لزوجها العميد المتقاعد شامل روكز؟ وهل الأمر لا يتعدّى إطار المزايدات السياسية؟ لماذا لم ينسحب قرار الإقفال على بقية المناطق أيضاً؟ ترّد عون بأنّ أبناء ميروبا طلبوا منها تفقد المنطقة، «فلتطلب مني بلدة أخرى، ولنرى إن كنت سأتحرك أو لا»، علماً أنّ صرخات أهالي عين دارة لا تهدأ. وتضيف: «يا ريت هكذا يشتغل الواحد الانتخابات، فلي الفخر في التدخل لمصلحة البيئة وصحة الأهالي». أما مستشار وزير البيئة جاك خليل يوضح إنّ «ابنة رئيس الجمهورية، بعد معاينتها المكان، أعطت التعليمات بضرورة إيقاف العمل. ولكن، كوزارة بيئة، نوجه كتباً لإيقاف كلّ المرامل غير المرخصة». ويشير إلى أنّ «السلطة التي تُنفذ القرارات بيد المحافظ والقوى الأمنية وليس الوزارة»، مؤكداً أنّ «الدرك تحرك في الجنوب، والبقاع أيضاً». ماذا عن عين دارة؟ «تعرفين ما هي قصتها».