تشبه عودة التاجر المفلس إلى دفاتر حساباته القديمة، تمادي البعض «الممانع» في العودة إلى السيرة الاولى القائلة بأن رئيس سوريا السابق بشار الأسد إستُهدف مع نظامه لأنه كان حامي حمى «المقاومة» ورفض الإملاءات الاميركية.. وما إلى ذلك من تنويعات هامشية على النص التوليفي البائس، بؤس هذه «المقاومة» أصلاً وفصلاً!
وتلك عودة تدلّ على أكثر من مجرد إفلاس.. حيث أنها تحمل دلالات غريبة يُفترض بها أن تُقلق أهل «الممانعة» وتسرّ خاطر كل من ينتظر أفول الصفحة الأسدية من كتاب النكبة السورية، لأنها تشير إلى نهايات من خلال عودتها إلى البدايات! وتشبه ورقة نعي مؤجلة، مثلما تتماهى مع الكتابات عن سيَر أشخاص كانوا ورحلوا.. ويحق لكاتب سيرتهم أن يحكي عن خصالهم براحة أكبر! وعن مثالبهم بخفر توجبه مقومات احترام الراحلين! وعن «إنجازاتهم» من باب نقدي حساس لكنه لا يحجب في كل حال شبهة الانحياز إليهم في وجه ضحاياهم!
ومن ذلك أيضاً، أن الحديث عن رئيس سوريا السابق بشار الأسد و«بطولاته» في وجه الإملاءات الأميركية و«مؤامرات» الإسرائيليين وتمنّعه عن السقوط في لجة «الإغراءات»، هو حديث يشبه في ركاكته وبدائيته «بطولات» إميل لحود في وجه مادلين أولبرايت! وفي مواجهة محاولات إدخال الجيش اللبناني إلى الجنوب اللبناني! واعتباره أن ذلك لم يكن إلا تآمراً على «المقاومة»، ما كان له أن يتم سوى عن طريق ذلك الجيش!
ونواحي فصفصة كل ذلك البؤس التنظيري عن مناعة الأسد و«ممانعته»، لم تعد في واقع الحال، تحتاج الى جهد كبير، بل بالأحرى ما عادت تؤشر إلى أي حصافة جدالية تبعاً لحقائق النكبة السورية في ذاتها، والتي لا يمكن (مرة أخرى) لألف مليون مليون مؤامرة كونية أن تنجز شيئاً يسيراً منها، يقارب ما فعله الأسد وكل المحور الذي يتلطى به! وبالتالي فإن الانطباع العام والسريع الصادر عن ذلك النوع من الاستعادات الإفلاسية، هو ذاته الذي يؤكد بأن روائح النهايات تفوح فوّارة من تلابيبها! وبأن العودة إلى الدفاتر القديمة لا تعوّض الإفلاس الراهن لتاجر الشعارات والمقاومات والممانعات الأسدي! ولا تغطي وصول محاولات البقاء إلى زاوية مقفلة! ولا اقتراب إشهار العجز الأخير بعد أن جُرِّب كل شيء، من دون نتيجة!
وتلك الاستعادات تُضاف إلى تواتر ضخّ سيناريوهات ميدانية كبيرة، واجترار روايات التنسيق المخفي بين أجهزة الأسد وأجهزة دول قريبة وبعيدة.. لكنها في جملتها، لا تخفي نضوج حالة تشبه الهستيريا عند أهل المحور «الممانع» برمته، تبعاً لانكسار الرهان الأخطر على استغلال الأيام الأخيرة لإدارة أوباما من أجل تعديل الوضع الميداني جذرياً! وبالتالي بدء العد العكسي لمجيء إدارة أخرى، لن تكون في أسوأ حالاتها.. أسوأ من القائمة حالياً!
حديث البدايات، دليل نهايات! وأي حديث هذا!