أحد الفطاحل في الزمن الماحل مفطور على الغلط: يتصرف بتميّز لكنه لا يفعل سوى تأكيد عاديته. ويتذاكى كثيراً لكنه لا يفعل سوى تأكيد ضيق أفقه وخلقه. ويجتهد كثيراً لكنه لا يفعل سوى تأكيد تطفله على شغل غيره. وتطاوله على أبواب موصدة مبدئياً في وجه أمثاله.. جاء من العسكر والأمن ونسي مقومات الشهامة والبطولة والتضحية والفداء، وأرتأى غاشياً مدّعياً أن الدنيا العامة هي ثكنة عسكرية. والناس فيها هم جنود يؤمرون فيطيعون! وإنهم فوق ذلك قصّر في جملتهم ويحتاجون في كل شأن من حياتهم إلى ملهم يدلّهم على الصحّ ويُثنيهم عن الغلط!
يرى نفسه أكبر وأهم من رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة.. ومن قادة العسكر والأجهزة الأمنية، ومن كل أهل السياسة والقضاء والإعلام والاقتصاد! بل يرى أنه أكبر وأهم حتى من الحزب الذي «ارتكبه» وأعاده إلى الضوء!! أي في الإجمال، الكل على غلط وهو وحده على صواب!
ومعضلة هذا النوع من البشر أن إدعاءاتهم أكبر من أحجامهم وعقولهم وقدراتهم. وأنهم في الأصل يفترضون في حالهم ما ليس فيها.. ويقيسون الأمور بموازينهم المكسورة، ويعتبرون تبعاً لذلك، أنّ الفرض والقهر موازيان لطباع البشر وطبائعهم.. سوى أنّهم لا ينتبهون إلى أنّهم يدبّون في لبنان وبين اللبنانيين! وليس في سوريا إلا عند طغمتها الحزبية الفئوية الأمنية والمافيوزية!
والمعضلة الموازية، مع هذا النوع من البشر، هي أنّهم لا يتواضعون ولا يعرفون كيف يتواضعون. وهذا معناه نزق شخصي صافٍ يتناسق في المبدأ العام، مع نزق مخلوق مثل الرئيس السابق بشار الأسد لا يزال يفترض أن ما فعله بسوريا وأهلها هو «واجب» تحتّمه «حمايتها» و«حمايتهم» من الموت والاندثار! ولا يزال يفترض أنّ حمزة الخطيب، ابن درعا، كان وهو في الخامسة عشرة من عمره طليعة أركان القوى الكونية «المتآمرة» على نظام «البعث» الأسدي! والساعية إلى تخريبه وتحطيمه لمنعه من الزحف إلى القدس جنوباً وإلى الإسكندرون شمالاً!
هذا النوع من الفطاحل في نواحينا يعتَبِر الإمعان في النزق جسارة وشجاعة وشطارة. ويعينه على اعتباره هذا، أنّ غيره المضاد أو المستهدَف يفكّر بطريقة أخرى: لا يعتبر الفجور ضرباً من ضروب الشجاعة! ولا يرى أن «الحوار» مع نَزِق انقلابي مفيد أو ممكن أو يوصل إلى أي مكان! ثم لا يفتخر بالسوقية أو يعطيها أكثر مما تستحق! وهذا في الإجمال يجعل ذلك النوع من الفطاحل عنواناً أكيداً للزمن الماحل! وعلماً من أعلام الانحطاط العام. وتردّي القيم، وشيوع السفاهة. واستسهال التعدّي على الحق وأهله وأصحابه وروّاده.. لكن الأخطر من ذلك كلّه، هو أنّ التعالي في غير موضعه لا يفعل سوى زيادة اقتناع السفيه بسفاهته، والفاجر بفجوره، والأرعن برعونته!
ذلك المدّعي في نواحينا، لا ينتبه إلى أنّ فضائله المدّعاة كانت (ولا تزال) في خدمة منظومة ما أنتجت إلا الخراب! وما أبدعت إلا في الفتن والبلايا! وما زرعت إلا النكبات! وما أوصلت في خلاصاتها إلا إلى الخسران العميم وتحويل العمران إلى رميم. وإنها في الإجمال والحق والحقيقة كانت المسبّب الأول للبلاء الذي ضرب ملايين البشر.. عراقيين وسوريين ولبنانيين ويمنيين وفلسطينيين، وأن فرادتها في هذه القياسات لا يمكن أن تُجَادَل!
بعض الحياء في الأداء يُطلب من أسوياء.. وهذه ليست حالتنا مع هذا «الرمز» في نادي الأدعياء!