Site icon IMLebanon

في الحياء..

قراءة «حزب الله» المتماهية مع «قراءة» بشار الاسد للثورة السورية، تخطّت منذ زمن السياسة واعتباراتها ومعطى خدمة المصالح الايرانية وحساباتها، الى شؤون وشجون تتصل بالتاريخ والانتماءات، والفتن، مثلما تتصل بالأخلاق ومكارمها الحميدة سواء بسواء.

بل ان الخطاب التوجيهي التثقيفي التعبوي الذي يعتمده الحزب في الشأن السوري يكاد يُقارب المستحيل والأساطير.. إن لجهة نكران أسباب الثورة ومبرراتها، أو لجهة التصرف ميدانياً وفق مسودة لا تليق حتى بالأعداء التاريخيين الذين نكبوا فلسطين وفتكوا بشعبها!

وقد يقول قائل إن ذلك في مجمله لا يفاجئ، ولا يُفترض أن يفاجئ. ويكون محقاً في قوله، انطلاقاً من أصولية «حزب الله»، ومن تعبئته الدائمة الحرارة، ومن ذهابه في أي شأن يخصّه الى عدم الاعتراف بأي ألوان خارج مزدوجة الأبيض والأسود، وعدم استطاعته التكيّف مع الآخر المختلف تبعاً لعدم تمرّسه في ملكة المحاججة التي تستبطن حُكماً، اعترافاً للطرف المواجه، بشرعية أو حق، اضافة الى ادمانه خطاباً انتصارياً عزّزته المقاومة في جنوب لبنان على مدى عقدين من الزمن، وجعلته أسيراً لصورة الذي لا يتراجع ولا يُهزم ولا يقبل بأنصاف الحلول، ولا يتواضع أو يكلّ او يملّ!

والقول بأصولية «حزب الله» يعني في الاساس افتراض خلفية نصيّة دينية له، هي في ذاتها تضع حدوداً لأي نقاش وتلجم أي استطرادات في السياسة والفنون وعلوم الاجتماع.. ومعضلته المتفرعة عن ذلك، تشبه معضلة امثاله: حزب ديني يشتغل في السياسة. وحزب احادي يعمل في بيئة متنوعة. وحزب حربي يدب في مجتمع مدني.. وفوق ذلك كله محكوم بأجندة خارجية متوترة ومأزومة بدورها، عدا عن كونها تفرض أثقالاً لا تحتملها جبال.

وذلك في جملته جعله أسيراً لبيان تبليغي جلف وما عاد يميز بين الصحّ والخطأ ولا بين المفيد والضار حتى له هو تحديداً!

في مناسبة فجيعة طفل كوباني الذي لفظه البحر في الساحل التركي، قالت كتلة الحزب النيابية مثلما قال ويقول إعلامه في الاجمال، ما معناه أن ذلك الطفل هو ضحية الثورة السورية أساساً.. وضحية الخروج عن حالة «الاستقرار» التي كانت «تنعم» بها سوريا في ظل حكم الأسد!

المفجع ان تلك الكتلة وذلك الاعلام تابعان لحزب ما كان موجوداً لولا «خروج» الايراني عن حالة «استقرار» كان يمثلها نظام الشاه اكثر بكثير من تلك التي يمثلها بشار الأسد! ولولا ثورة كانت مبرراتها أقل بنحو مليون مرة من مبررات ثورة السوريين! بل لا تُقارن إيران الشاه بسوريا الأسد. لا بالنظام ولا بالحريات ولا بتوزيع الثروة ولا بقوة الدولة واجهزتها وعسكرها وإنجازاتها ولا بآليات القمع التي كانت تعتمدها..

والأكيد اكثر، هو ان الشاه لو استخدم ضد الايرانيين ما نسبته واحد على ألف من الذي يستخدمه بشار الأسد ضد السوريين لربما ما كان نظامه سقط بتلك الطريقة، ولما كانت الثورة انتصرت وحكمت من بعده وصار لها أتباع وأنصار مثل «حزب الله» في لبنان!

بعض الذكاء والحياء.. لا أكثر ولا أقل.