يتابع مقتدى الصدر في الإمارات العربية المتحدة ما بدأه في المملكة العربية السعودية. أي الانفتاح على الفضاء العربي تكريساً لمعطى الانتماء الذي حاولت إيران على مدى السنوات الماضية، ولا تزال تحاول، أخذه على محملها المذهبي والسياسي، بعيداً عن بديهيّات اللغة والدم والتاريخ والجغرافيا.
والزعيم الديني العراقي في ذلك يبادر ويتلقّف: يبتعد عن «المشروع» الإيراني ويقترب من وطنيّة عراقية. وهذه في ذاتها، وكما بيّنت مرارات السنوات السابقة، تغيب وتتقلّص تحت وطأة العنوان المذهبي، وتحضّر وتنتعش في الفضاء الإسلامي العام، حيث السعودية عنوانه وأصله وفصله، وحيث المدار الخليجي في جملته بيئة منعشة لتلك الوطنية، وليست نقيضاً قاتلاً أو لاغياً لها.
وفي ذلك الحراك (المتبادل) مكرمة لا تخطئها عين: تهميش وتهشيم المعطى المذهبي وإخراجه من محوريّته، في وقت يبدو الفعل الإيراني، في زبدته وصفوته وأساسه، قائماً على جعل ذلك المعطى حجر الركن المكين الساند لمجمل المشروع القومي/الفارسي أولاً وثانياً وثالثاً.. والى آخر العدّ!
وما ينطبق على ذلك المعطى المذهبي، ينطبق على غيره: يذهب سليل العائلة الصدرية، الى تنكّب إشهار هزيمة المسعى الإيراني في البيئة الشيعية العراقية، في ذروة الادّعاء الصاخب الخارج من طهران وحواشيها في المنطقة عموماً وفي لبنان خصوصاً، عن «انتصار» محور «ولاية الفقيه» على «أعدائه»! وتمكّنه من إقامة ركيزة لحيثيّته، ستستمر على مدى عقود آتية!
وصلافة الادّعاء تختصر صلافة المشروع. حيث اللغة كيدية ثأرية. والممارسة نتاج مبالغات طقسية فئوية تتقصّد التفاخر وإظهار الفوارق. وتستحضر التاريخ باستفزاز ورعونة! وحيث الجهر بالغلبة في مواقع متفرقة يُظهر ويستبطن تصفية حسابات عمرها من عمر التاريخ الإسلامي! بل تراها، في غلوّها، ثأراً قومياً صافياً من ذلك التاريخ تحديداً!
لا يذهب مقتدى الصدر وحده الى السعودية والإمارات والفضاء العربي الإسلامي، بل يأخذ معه خلاصة انتهى اليها عراقيون كثر، من شطّ العرب الى تخوم الموصل.. وهذه تفيد بيقظة متعددة الأبعاد، الى خرائبية المشروع الإيراني، وتناقضه الحتمي مع «المصالح الوطنية العليا»، وتقصّده الزبائنية لدى الأقوام المستهدفة بـ«التنوير الثوري». وهؤلاء من أهل المذهب تحديداً! طالما أنّ الأغيار، أعداء من حيث المبدأ وبالجملة! وأعداء من حيث السياسة وبالتفصيل! وأعداء من حيث رفضهم الخضوع والانصياع والركون الى أولوية القطب الإيراني! وأعداء من حيث تمنّعهم عن الإقرار بريادة ذلك القطب! و«حقّه» في التدخل في شؤون غيره! وسعيه الى تخريب ذلك الغير من أجل تأكيد تلك الريادة! وما الى ذلك من شطط، لا يفهم إلاّ ربّ العالمين، أبواب الحكمة فيه!!
بهذا المعنى، يصحّ الظن، بأنّ الوطنية العراقية الناهضة من ركام الاحتواء المذهبي، لا تزال في بداية السعي، ومهدّدة بردّة فعل تأتي من مألوف الممارسات الإيرانية وليس من خارجها! وذلك، في كل حال، يعزّز أسباب الإشادة بشجاعة مقتدى الصدر وأمثاله، وبالمقاصد النبيلة للسعوديين والإماراتيين.