Site icon IMLebanon

في وجوب الحذر

سرّب الأميركيون قبل يومين خارطة طريق خاصة بالوضع السوري، تتضمن عناوين العملية السياسية المفترضة، مع «تفصيل» أساسي يقول إن موعد رحيل بشار الأسد لن يتعدى شهر آذار من العام 2017.

المفارقة أن إدارة مستر أوباما طنّشت عن الموضوع، ولم تقاربه لا من باب النفي ولا من باب التأكيد، في حين سارعت موسكو على لسان نائب وزير الخارجية بوغدانوف إلى «نفي التطرّق إلى مصير الأسد» في محادثات فيينا أو على هامشها.

وظيفة التسريب تبدو مزدوجة: واحدة باتجاه معارضي الأسد، سورياً وإقليمياً ودولياً لطمأنتهم إلى «متانة» الالتزام بسقف إخراجه وسلطته من حكم سوريا من خلال عملية سياسية متدرّجة. وثانية باتجاه روسيا وحلفائها الدائخين بتدخلها لمصلحتهم، تقول في زبدتها إن كل هذه العواصف النارية و«البطولات« المرافقة لها إنما تتم وفق أجندة «متفاهَم» عليها مع الأميركيين والغربيين ومعظم المعنيين الإقليميين بالنكبة السورية، وإن سقفها الأخير هو التخلص من الإرهاب الداعشي والأسدي على حد سواء، في سياق استراتيجي تسووي وليس إقصائياً!

في هذه الخارطة شيء من المنطق الذي يمكن أن يفسّر «التراخي» الأميركي والغربي والإقليمي إزاء الإنزال الروسي في منطقة ملتهبة عند تخوم «حلف الناتو»، والتعاطي معه باعتباره إجراء غير كاسر لموازين دقيقة وخطيرة بين الطرفين. مثلما يفسّر الاستعدادات الجدية من طرف المعارضة ورعاتها، للدخول في المرحلة الأولى من التفاوض مع فريق السلطة.

لكن نقطة الضعف التي قد تكون قاتلة، في هذا السيناريو، تكمن تحديداً في الموقف الأميركي، وليس في غيره. باعتبار أن أحداً فوق هذه الأرض لا يستطيع أن يضمن شيئين مركزيين. الأول التزام المصارع الروسي فلاديمير بوتين بحتمية انتهاء الأسد وسلطته، خصوصاً إذا تبيّن له أنه «مرتاح» لمسار العمليات العسكرية، وأن الدفّة تميل لمصلحته! والثاني (الأخطر) «ضمان» تصدّي واشنطن لذلك البلف الروسي، وعدم تنصّلها من مواقف «إدارة سابقة»، باعتبار أن التنفيذ المفترض لإخراج الطاغية إلى مزبلة التاريخ يلي انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالي!

و»تاريخ» النزاع العربي الإسرائيلي في مرحلته التفاوضية التي بدأت في مطالع تسعينات القرن الماضي، يحتوي على زاد كاف من العِبَر التي جاءت في مجملها على حساب المفاوض العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً! والتي تدلّ في بداية المطاف ونهايته، على أن الصدقية الأميركية مطّاطة وليست ثابتة! وهوائية وليست صخرية وصلبة! ومتماشية مع الهوى الإسرائيلي وليس العكس!

لذلك يمكن الافتراض (بسعادة إذا أمكن!) بأن قضية الحذر في النكبة السورية ليست ترفاً فكرياً، ولا تعبيراً عن هوس نفسي خاص! وإنما هي أول الحكمة ورأس المنطق السليم. وذلك يستدعي، أول ما يستدعي، زيادة الدعم للمعارضة السورية المسلحة بكل ما تحتاج إليه. ومتابعة للميدان المتحرك تقيس الجغرافيا بالأمتار وليس أكثر من ذلك! وملاحقة دائمة ودؤوبة لعمليات الأرعن الروسي والاستمرار في فضح استهدافاته الخارجة عن خريطة انتشار «داعش»!

في ذلك، هناك «التاو» والجيل الثاني من «التاو».. وما هو أكبر وأخطر من ذلك! مثلما أن هناك إرادة سياسية ثابتة تمنع الغدر بالثورة السورية بعد كل هذا الصمود الأسطوري لها والتضحيات الهائلة التي قدمتها وتقدمها!