Site icon IMLebanon

في «النفي» و«التهديد»

 

مزحتان بثقل الجبال سُجِّلتا يوم أمس. الأولى محلية والثانية كونيّة. الأولى هي نفي «مصادر» «حزب الله» الكلام المنقول عن الأمين العام للحزب، والذي فيه ما لا يثير العجب!! والثانية هي تهديد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأميركيين بـ«عواقب وخيمة» إذا نفّذوا وعودهم بضرب مراكز تابعة لرئيس سوريا السابق بشار الأسد عقاباً له (ولو متأخراً) على كونه أكبر إرهابييّ العالم الراهن، والأكثرهم إجراماً وعبثاً وتهتكاً، واحتقاراً للحياة وقيم البشر مثلما يعرفها معظم البشر!

 

أمّا النفي الذي قيل إنه صدر عن «حزب الله» لكلام الأمين العام، فإنّه لزوم ما لا يلزم!

 

يمكن أن تنفي موقفاً واحداً، أو جملة واحدة، أو حَدَثاً واحداً.. أو أن يكون الكلام (المنفي) غريباً أو مفاجئاً أو غير مألوف أو استثنائياً، أو غير معقول، أو خارج السياق والنصّ، أو لا يتلاءم مع المتراكمات المُسندات بالصوت والصورة، أو كونه في ذاته لا يركب على قوس قزح ولا حتى على قوس نشّاب.. أو أن يكون شبيهاً بادّعاء كاتب هذه السطور (مثلاً!) أنه سيصير الرئيس المقبل لجمهورية الصين الشعبية!

 

لكن، هذه ليست «الحالة» الراهنة مع الكلام التفصيلي الذي نشره الموقع الإيراني «فردا نيوز» نقلاً عن عدد من الإيرانيين المقيمين في لبنان الذين التقوا الأمين العام للحزب واستمعوا منه بكل شفافية ممكنة وصدق ممكن، إلى مواقفه السياسية والفقهية والتاريخية والديموغرافية، على حقيقتها وعمقها.

 

.. وما كان لأحد أن ينكر أو «ينفي» عن السيّد حسن نصرالله تماهيه التام مع انتمائه الديني والعقيدي. والتزامه الحاسم بمقتضيات ذلك الانتماء. وارتباطه الحديدي بيقينياته، وتخندقه في متوجباتها وترجماتها وطقوسها، ومنها قوله إنّه أشد تمسكاً من الإيرانيين أنفسهم بـ«ولاية الفقيه»، وبكونها بالنسبة إليه، فوق الدستور اللبناني، وأوجب حُكماً وحتماً بالخضوع والتبعية من الخضوع إليه، أو الاحتكام إلى نصوصه.. هذا وضعي من صنع بشر، وتلك مساوية لـِ«طاعة المعصوم».. عن الخطأ!

 

ما الجديد في هذا الموقف؟! وما هو النافر والغريب في تفسيره لأسباب الذهاب للقتال في سوريا؟! أو في كونه أكثر إيرانية من بعض الإيرانيين في مسألة «الولاية»؟! أو في كونه شديد الأنوية مذهبياً؟! أو في نظرته «الأخيرة» والعميقة إلى لبنان؟! أو في اعتباره «اليقظة الشيعية» الراهنة، «تصحيحاً» للتاريخ والديموغرافيا والجغرافيا.. وثأراً (إذا أمكن) من ذلك التاريخ وتلك الجغرافيا!

 

الجديد الوحيد في الأمر عموماً، هو خروجه على الملأ! واشتماله على بعض «الأمور المحرجة»! وخصوصاً أنّ هذه تثبّت ما يراه «الأغيار» مآخذ جديّة على ادعاءات «المقاومة» و«الإسلامية» ومحاربة «التكفيريين»، ونصرة «المستضعفين» بغضّ النظر عن انتماءاتهم! و«الدفاع» عن لبنان وحدوده! والمزايدة في الموضوع الوطني وصولاً إلى تخوين كل سيادي ودستوري وحريص على أن لا يدفع مرة أخرى أثمان ارتباطات ويقينيات وحسابات وقراءات والتزامات غيره!

 

.. أمّا تهديد لافروف بالردّ إذا ضرب الأميركيون الأسد عقاباً له على جرائمه، فهو مزح ثقيل الدم! وأشبه بتهريج بائس لمتذاكٍ يستغبي الناس..

 

تحدّث عن «ردّ» لكنّه لم يقل على مَن؟! وكان الأجدر به أن «يوضّح» الأمر على حقيقته: تماماً مثلما أنّه كلما أغار الإسرائيليون على مواقع «الممانعة» «يردُّ» أهلها، الإيرانيون والأسديون ومعهم «القوى الفضائية» الروسية، بتسعير استهداف البيئة السورية المعارضة، فإنّ «العواقب الوخيمة» للغارات الأميركية (إذا حصلت؟!) لن تعني شيئاً خارج ذلك السياق «الإسرائيلي»! أي لن تلحق (تلك العواقب الروسية!) إلا بالخاصرة الضعيفة المتمثّلة بالمنكوبين السوريين!.. أليست الحرب على الغوطة التي كانت «ممنوعة» روسياً، إلاّ أحد وجوه الردّ على الفتك الأميركي بـ«المتطوعين» الروس الذين حاولوا في السابع من شباط الماضي التقدم إلى شرق الفرات في منطقة دير الزور؟! وهل يصدّق عاقل أو غاشٍ، أنّ الروس «سيقاتلون» الأميركيين مباشرة من أجل ابن الأسد؟! أو الإسرائيليين من أجل القواعد الإيرانية ومواقع «حزب الله»؟!

 

.. مزحة لافروف تليق بـ«الممانعة» وليست بالعقل!