لا شيء أدعى للقنوط من رؤية استمرار النكبة السورية على وتيرتها. ثم ورؤية رمزها الفاعل الأول بشار الأسد منتشياً بها أيّما انتشاء!
لكن لا شيء في المقابل أدعى للارتياح من رؤية «المعادلة الأخيرة» وهي تتشكّل وتتوضّح أكثر فأكثر: كلما خطى ذلك المخلوق خطوة باتجاه «تحرير» معاقل ومواقع المعارضة، اقترب خطوة من أفوله الأخير!
بيده أنهى سوريا ونكب أهلها. وبـ«رعايته» ينهي ما تبقّى من سلطات ويتمّم شروط الاندحار والاندثار.. والتدرّج أو التقسيط، منطق مُحكم الربط اعتمده هو في جغرافية القتال، لكنه سيصل إليه تبعاً لاعتماده من قِبل غيره الفاعل والمؤثر والمُقرر في نهاية المطاف.
تصفية المعارضة المسلحة وتشتيت بيئتها الحاضنة تمّا في ظلّ شعار «محاربة الإرهاب».. وذلك أفضى إلى الخطوة التالية، أو الإعلان عن بدئها، وهي المتصلة بـ«البيئة الإيرانية» المشتملة في عُرف وسياسة وقراءات المتلاقين الفاعلين، على «حالات إرهابية» غير مقبولة ولا يمكن شرعنتها حتى وإن أمكن قبول مشاركتها العابرة في معارك موحّدة ضد ذلك الإرهاب! وهذا بدوره يفضي إلى تهيئة أسباب المرحلة اللاحقة، المتصلة بتنظيم أمور السلطة وشكلها وطبيعتها وقوانينها وبما يسمح لـِ«المنتصرين»، الفعليين بتدريع «انتصاراتهم» من خلال تثبيت حالة تسووية لا بدّ منها!
والحالة هذه تعني، أول ما تعني، أنّ بقاء بشّار الأسد وعصبته الفئوية هو أمر طارد للتسوية مبدئياً وتفصيلياً وعملياً ومنطقياً.. وهو وإن استرخص تدمير سوريا دولة ومؤسسات وبنى تحتية وفوقية، فإنّ مَن أعانه وحماه لا يمكنه استرخاص الأثمان التي دفعها، ولا إبداء الاستعداد لمواصلة الدفع!
وما يُعين ويُساعد على ذلك هو تماماً، ما يجعل بشّار الأسد منتشياً هذه الأيام: أي انتهاء أو تحجيم القوى المسلحة (غير النظامية!) ومحاصرة البيئة الأكثرية بالفتك والتهجير والتدمير.. ثم التلاشي الفعلي (والدقيق!) لعناصر قوّة الأسد وعصبته وصيرورة الإثنين شكلاً برّانياً لا مضمون له!
أي أن الدمار السوري صار من النوع الشامل وليس الجزئي. ولا يمكن طرف واحد في هذه المعادلة ادّعاء شيء معاكس. وإذا كان ذلك يصلح في حالة القوى المُعارضة المسلّحة، فإنه يصلح أكثر في حالة بقايا السلطة وأشيائها. وهذا لبّ «الإنجاز» الذي ارتكبه بشار الأسد: نفّذ حرفيّاً مقولة «الأبد أو نحرق البلد»! ودمّر «كل شيء» بما فيه أسباب قوّته نظاميّاً وفئويّاً.. وعائليّاً. وتراه في هذا، أول العارفين بأن الحطام عميم! وإن العودة إلى أيام العزّ السلطوي المتفرّد والأحادي، صارت تشبه ثلاثية الغول والعنقاء والخلّ الوفيّ..
وبمعنى أوضح: تدمير سوريا شيء، واستمرار نزيف المتدخلين فيها والمجاورين لها شيء آخر.. وإذا كانت كلفة «الدفاع» عن الأسد بلغت هذه المدَيَات الفظيعة مادياً وبشرياً بالنسبة إلى سوريا والسوريين، فإن أكلاف تداعيات النكبة على غير السوريين بلغت ذروتها ولا يمكن التحمّل أكثر! بدءاً من الأردن ولبنان (لجهة أعداد النازحين!) مروراً بتركيا (لجهة النزوح والحالة الكردية) والروس أنفسهم لجهة كلفة التدخل العسكري مادياً (في زمن القحط)، وصولاً إلى الأوروبيين والأميركيين وحساباتهم السياسية والأمنية (والإسرائيلية).. والضميرية!
وحدها إيران قد تكون في مكان آخر. أي لا يهمها (إدعاءً) أو بالأحرى لم يكن يهمّها أن يستمر النزف طالما أنّ ذلك يسمح لها بالتشاوف النفوذي.. لكن ما يجري (وسيجري!) سيضعها في زاوية ضيّقة ومحدودة الخيارات لتجد نفسها، راضية أو مُرغمة في وضعية الانصياع للمسار العام ومقتضياته وشروطه!
معادلة، دُمّرت سوريا و«بقي» الأسد، معادلة مكسورة! التدمير أصاب الإثنين، سوى أنّ التدرّج أصابها قبل أن يصيبه، وتماماً وفقاً للسردية التي وضعها بنفسه: مصيره من مصيرها. وفي هذا يمكن الاستنتاج أنه نجح في النحر والانتحار!