ربما يكون كلام الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني عن سياسة بلاده الخارجية القائمة «على حسن الجوار (…) وانعدام النيّة بالتدخل في شؤون دول (المنطقة) أو فرض الاعتقادات السياسية والدينية»..الخ، ربما يكون ذلك اصيلاً في تركيبته الفكرية، وفي قناعاته «العميقة»، وفي توجهاته التي صنّفته في خانة القوى المضادة لجماعة «الثورة» وصادراتها في القيادة الايرانية العليا..
لكن ذلك وأكثر منه، من مواقف فقَدَ سابقاً ويفقد راهناً، الصدقية الكافية لأخذه على محمل الجدّ فعلياً وعملياً.. أو، في أقصى الاحتمالات، لاعتباره، تعبيراً عن مقاربة جديدة، مختلفة جذرياً عن التي عاينتها وتعاينها، (وتعاني منها) دول الخليج العربي والعراق بداية، ثم دول وشعوب أبعد قليلاً في الجغرافيا، لكنها وجدت نفسها في «عالم الخرائط» الافتراضي جزءاً من الكيان الإيراني المنشود تحت راية تصدير «الثورة» وفضائل وألطاف قيم جمهورية«الولي الفقيه».
لا يمكن فصل الكلام الجديد للرئيس الإيراني عن زمنه وجغرافيته.. أي قبيل مغادرته طهران الى سلطنة عمان، ثم الى الكويت. ما يزيد (للمفارقة) من رقعة التوجّس بدلاً من أن يقلّصها. ويرفع منسوب التشكيك بدلا من أن يخفضه. بحيث أن خاطرة «لكل مقام مقال»، تكاد أن تكون جزءاً عضوياً من سياسة ايران الخارجية. وسبق الفضل مرات ومرات، أن يكون الكلام الانفتاحي التقاربي التصالحي مناقضا بالتمام والكمال، لما تمارسه إيران على الأرض.. وكثيرة (جداً!) السوابق الجاهزة للتقديم على طاولة المحاججة، أكانت تلك تتعلق بالراحل هاشمي رفسنجاني (ومحاولاته الأبرز) مع المملكة العربية السعودية) أو بالرئيس السابق محمد خاتمي، أو حتى بالرئيس الظاهرة محمود أحمدي نجاد.
المشكلة العويصة، لا تزال في مكانها. ولا يمكن، في سياق استحضار واقعة توقيت الكلام الجديد، سوى الاستناد الى السوابق لبناء حكم راهن. بحيث إن طهران اليوم، حتى لو زلزلت الفضاء السياسي والإعلامي بتهديداتها، تجد نفسها أمام إدارة أميركية لا سابق لشراستها وعدوانيتها، ومعارضتها، وتحاول بالتالي الالتفاف على هذه الحقيقة، أو مداراتها أو «تقطيع أوصالها» الإقليمية! من خلال العودة الى بث خطاب التقارب والتطمين وصولاً الى قول روحاني«إن السنة والشيعة عاشوا لقرون طويلة سلمياً الى جانب بعضهم البعض»!
.. حتى في هذه الترنيمة الودّية (المستجدّة!) تذهب إيران في عقلها الواعي والباطني، الى تأكيد أحد أخطر أسباب التوجّس منها ومن سياساتها.. لأن أحداً في المنطقة العربية والإسلامية (باستثناء التكفيريين والعدميين!) لم يأخذ موقفاً من إيران على أساس مذهبي إنما على أساس سياستها العدائية! ولم يعتبر أن الخلاف مع قيادتها فقهي (برغم الإقرار بوجوده!) بل متصل بنهجها الفالت سياسياً وإعلامياً وأمنياً، على أسس قومية مغلّفة بشعار مذهبي، وليس العكس! وبتدخلاتها النافية لسيادة الدول المجاورة! ولوحدتها الوطنية واستقرارها الأمني والاجتماعي! والذي راح (ذلك النهج) بعيداً حتى عن منظومة المصالح الماديّة الباردة والناشفة والمتبادلة!
توحي زيارة روحاني الى سلطنة عمان بوجود شيء تفاوضي اقليمي أو حتى أبعد مدى، أو ربما محاولة ذلك! لكن لا بأس من الاشارة، الى أن ذلك (التفاوض أو محاولته!) ليس جديداً! ولم يفضِ سابقاً الى تغيير في مواقف إيران. لا في اليمن ولا في البحرين ولا إزاء المملكة العربية السعودية. ولا في العراق ولا في سوريا.. ولا تشي مواقف «حزب الله» في لبنان بأي إستنتاج معاكس! وبالتالي صعب وصعب جداً، اعتبار كلام الرئيس الإيراني، دلالة على بدء تغيير حاسم في أداء بلاده تجاه دول الجوار، أو باتجاه التخلي عن سياسة «تصدير الثورة» من«أجل رفعة الأمة».. والتي أوصلت تلك«الأمة» الى الحضيض!!
هناك عناوين واضحة، يمكن لإيران أن تنطلق منها عملياً لتأكيد صدقية سياسة «حسن الجوار وتعزيز التعاون مع الدول الاسلامية المجاورة» ولنفي تزامن«إنفتاحها» مع وجود شخص في البيت الأبيض اسمه دونالد ترامب، ليس إلا!