Site icon IMLebanon

في العسس الممانع

لم يُصدّق بعض العسس الممانع حتى الآن، أن بشّار الأسد صار من الماضي، وأن بقايا سلطته تقاتل على مصيرها هي وليس على مصير سوريا، أو على «دحر الإرهاب» أو على استعادة السيطرة على المناطق والناس الذين خسرتهم، أو على إعادة تركيز الحكم وفق الشروط التي صارت تحت التراب.

بل إن ذلك البعض لم يُصدّق بعد، أو لم ينتبه أو يستوعب أن الحرب في سوريا صارت معروفة النتائج سلفاً، وأنها بهذا المعنى، حرب انتهت لكن معاركها لا تزال مستعرة وتحت سطح متعدد السقوف: واحد يسكنه بشار وعصبته وعنوانه البحث عن مكان المنفى الآتي وشروطه و»طبيعته»! وواحد يسكنه الإيرانيون وعنوانه محاولة حفظ ما بقي من «استثمارات» وُضعت في سلة السلطة المفخوتة ومنذ أكثر من ثلاثة عقود. وواحد تسكنه روسيا وعنوانه شبيه بالعنوان الايراني زائد البحث عن الثمن المطلوب للموقف الاخير! وواحد تسكنه قوى إقليمية وعربية وعنوانه ضمان اليوم التالي لموعد إعلان دفن جثة النظام، وعدم تحول سوريا الى صومال أخرى.. وواحد تسكنه واشنطن، وبالقرب منها إسرائيل وعنوانه انتظار اكتمال شروط بقاء سوريا في دائرة العجز عن التهديد الخارجي أو «الجولاني«.. وواحد تسكنه تركيا وعنوانه ضمان أن لا تتحول سوريا مصدر خطر عليها، أكان من ناحية الحالة الكردية أو النَفَس التقسيمي أو الإرهاب الأصولي.. وواحد تقيم فيه الأكثرية العظمى من الشعب السوري وعنوانه الدائم والوحيد: لا عودة الى الوراء ولا شيء اسمه الأسد في مستقبل سوريا!

معارك مريرة وكبيرة، حاصلة وستحصل لكن ليس خارج السياق القائل بأن مرحلة العقود البعثية الأسدية الخمسة الماضية انتهت والى الأبد. وأن الاشتباك المستعر اليوم وغداً وبعد حين هو على رسم حدود لانهيار المؤسسات الرسمية، وتنظيم المرحلة الانتقالية لإعادة بناء السلطة بأقل قدر ممكن من الدم!.. أي بالعربي الفصيح، تأمين عدم حصول مذابح كبرى في حق بعض المكوّنات السورية، وضمان عدم سرقة الجماعات الإرهابية لأي قرار أو منطقة استراتيجية، ثم ضمان ان تبقى سوريا محكومة بصيغة وطنية كيانية واحدة، برغم بعض التفلّت.. أي شيء شبيه بالصيغة المتحكمة بلبنان هذه الايام!

مصيبة ذلك العسس الممانع تكمن في أنه لا يزال أسير أوهامه وأحاديته النافرة والمريضة، كما هلوساته التي لا تزال تأخذه الى افتراض المستحيل ممكناً.. وأول ذلك المستحيل، هو هزيمة الشعب السوري وانتصار بشار! أو تلخيص كل الميدان بمعركة واحدة، أو اعتبار التشخيص الذاتي حالة عامة، من نظير وصم كل الجماعات المقاتلة بالإرهاب التكفيري! أو افتراض قدرة لإيران أو لأدواتها على وقف الاندحار الأخير للسلطة، أو حتى تأويل القدرات الروسية أكثر مما تحتمل مع أن تجربة أفغانستان لا تزال خضراء نضرة ولم تيبس بعد!

مصيبة ذلك العسس أنه ضرير فكرياً: لم يرَ بعد أين صارت سوريا اليوم وكيف صارت. وماذا تفعل إيران مع أميركا والدول الكبرى في المفاوضات النووية. وأين أصبحت «المقاومة» في الوجدان العربي والإسلامي العام!، بل تراه لم يُصدّق بعد أن ستالين مات!