عشية عيد مار مارون، لم يبق الكثير للموارنة لكي يتنازعوا عليه، حتى انه لم يعد في استطاعتهم تعيين انطوان طنوس مديراً لفرع الجامعة اللبنانية في طرابلس بعد اعتراض جهات عدة عليه، أما كرسي رئاسة الجمهورية الشاغر، فيتنازع زعماء الموارنة حلم اعتلائه، رغم أن اتفاق الطائف حوّل رئاسة الجمهورية الى موقع “يملك ولا يحكم”، و “لا حّول له ولا قوة فيما يجري من أحداث”. أما قانون الانتخاب والتعيينات الادارية وصرف المال العام، وتلك أمور لا قدرة للمسيحيين على التأثير فيها لأسباب عدة أولها تشتت صفوفهم ونزاعاتهم المستمرة وانقسامهم بين مؤيد للسنة ومؤيد للشيعة. هذا الكلام لرجل دين له تجربته وتاريخه في “النضال المسيحي” وتراه اليوم منكفئاً عن الساحة “قرفاً” وحزناً.
بدأت عملية انتزاع مواقع المسيحيين منذ عام 1990 في إطار منهجي، وخسر المسيحيون عموماً والموارنة خصوصاً ما كان يحتسب لهم في ميزان الادارة العامة والمناصفة، وكل ذلك نتيجة انقساماتهم وخلافاتهم والسياسة التي طبقها الاحتلال السوري منذ عام 1990 لضرب الحضور المسيحي في القطاع العام، ولا يزال كثر من اللبنانيين يذكرون حفلات “التطهير” الجماعي التي شهدتها مؤسسات عامة كبيرة تحت عناوين عدة.
ارتكز الحضور المسيحي في الدولة على رئاسة الجمهورية والجيش للدفاع عن الكيان، ولما كان تحوير تنفيذ اتفاق الطائف بدفع سوري قد “تكفل بقصقصة أجنحة الرئاسة”، فلقد تولت الوصاية السورية، تهميش الحضور المسيحي في كل مؤسسات الدولة، بدءاً من المؤسسة العسكرية، إذ تم تسريح عشرات الضباط ومئات الجنود المسيحيين بتهم الولاء لقائد الجيش السابق العماد ميشال عون. وعمد النظام الامني السوري – اللبناني الى استخدام الجيش بكثافة في عمليات القمع التي استهدفت المسيحيين. ونجح النظام في الايقاع بين المسيحيين والجيش كمؤسسة وطنية جامعة وحصن الدفاع عن لبنان، وكان من نتيجة ذلك أن ابتعد المسيحيون عن الانخراط في الجيش وضمر حضورهم وتشير تقديرات “لابورا” الى أن عديد المسيحيين في المؤسسة بات لا يتجاوز 20 في المئة مقارنة مع 50 في المئة وأكثر قبل 1990. وانسحب هذا الأمر على المؤسسات العسكرية والامنية الاخرى، وكان على الكنيسة و”لابورا” وكل العاملين المسيحيين في الشأن العام خوض نضال كبير لتصحيح الوضع. وأمكن تحقيق الكثير على مستوى قوى الامن الداخلي والامن العام وغيرها، ولا يزال هناك الكثير من العمل.
أما في القطاع العام المدني، فكانت المعركة أصعب بكثير، ولا تزال قائمة لتصحيح الخلل الكبير في المناصفة والتوازن، وخصوصاً أن الاطراف الاخرى تمكنت خلال سني الوصاية السورية المديدة، وبالتعاون والتنسيق معها، من بناء هيكلية خاصة لتأمين مصالحها، سواء من خلال العمل على التوظيف الكثيف على كل المستويات، أو الافادة من المال العام وتوزيع الاعتمادات بطريقة هادفة ومدروسة. وكان على المسيحيين في ظل سياسة “الحرمان والاستبعاد والقمع”، اضافة الى تراجع دور الكنيسة المارونية ومحاصرتها من النظام الامني وضرب الاحزاب المسيحية التمثيلية، أن يحزموا حقائبهم ويهاجروا نتيجة العجز عن القيام بأي شيء في مواجهة محادل الطوائف التي عملت على انتزاع المواقع العامة المخصصة من المسيحيين في الادارة العامة، دون أن يتلفظ ممثلو المسيحيين الافتراضيين في السلطة بأي موقف اعتراضي.
الصورة قاتمة عشية عيد مار مارون، وما تقوم به “لابورا” ولجنة الاحزاب المسيحية وحراك المجتمع المدني المسيحي، كله لا يمثل الا جزءاً صغيراً من الكثير المطلوب لتصحيح الوضع، وإعادة الحضور المسيحي الحقيقي الى الدولة لئلا يتكرس الغاء الاحتفال بعيد مار مارون ويصبح مجرد ذكرى