تتفاقم الأزمات التي تواجه اللبنانيين في سائر مرافق حياتهم: في السياسة، في السياحة، في الإقتصاد، في الأخلاق، في سلم القيم، في الفساد المستشري… في كل شي تقريباً… وفي هذا السياق تدخل الأزمة المستجدة مع السعودية.
فهل هذا يعني أنّ على اللبنانيين أن يقفوا مستسلمين أمام هذا الوضع المتأزم؟ وماذا يعني الإستسلام؟ إنه ببساطة كلية يعني أنّ مقوّمات هذا البلد كلها متجهة الى السقوط: بدءاً بنظامه السياسي الديموقراطي البرلماني، مروراً بالصيغة والميثاق، وصولاً الى تميّز الإنسان اللبناني بفرادة في مختلف انحاء الحياة الوطنية والإنسانية والثقافية.
أي إن لبنان الذي عرفه جيلنا، وأحبه، وفاخر به الدنيا، والذي سقط نصف مزاياه ونصف فرادته بعد تعديلاته الدستورية، مرشح لأن يفقد النصف الثاني…. والى الأبد.
باختصار، فإن ذلك يعني ان هذا الوطن الصغير المعذّب سيعود الى المسير في القافلة، ولكن في ذيلها. قافلة التخلّف والتردد، والضحالة، والجهل… أما انه سيكون في ذيلها فهذا تأكيد المؤكد لأن الباقين، يمتلكون من القدرات المالية والفاعلية ما افتقدناه من زمن بعيد.
والسؤال، تكراراً: هل يستسلم اللبنانيون؟ أجل: هل نستسلم؟ هل نرفع الراية البيضاء؟ هل نمضي في كل ما يتنكر لتاريخنا المجيد، ويمهّد لمستقبل أسود؟
ببساطة الجواب هو: لا!
واجبنا أن نعيد النظر في السياسات والمسارات والخيارات التي أوصلتنا الى هذه النقطة!
واجبنا أن نقتنع أولاً بأن اسباباً موجبة كانت وراء نهضتنا وهي وراء فرادتنا تجاه محيطنا، وان التخلّي عن تلك الأسباب الموجبة يوصلنا الى حيث نحن في قعر القعر!
واجبنا أن نوقف هذا اللهاث المحموم وراء الإثراء غير المشروع وإسقاط سياسة (ونهج) المال هو المعيار والمقياس… ومن لا يملك المال هو لا شيء سواء أكان بعبقرية إينشتاين أم بغباء »أبو ناعسة«.
واجبنا أن نوقف التذاكي على بعضنا البعض والغدر بعضنا بالبعض الآخر، واقتناص الفرص للكيد بعضنا بالآخر… وأن نعكف على دراسة أوضاعنا على حقيقتها فنعرف العلّة وموضع الخلل، ونستشرف كيفية الخلاص فنضع قواعد للإنطلاق نحو هذا الخلاص، على أن يرتكز ذلك كله الى الحقائق الآتية:
1- اللبنانيون متساوون، فلا غبن ولا خوف ولا استئثار.
2- صيغة لبنان الفريدة وميثاقه الوطني الذي لا مثيل له في العالم قاطبة هما سرّ فرادته فالمحافظة عليهما واجب الوجود.
3- التنوع في الوحدة حق… ومدخله اللامركزية الموسّعة.
4- لبنان عربي الإنتماء، وعدوه الأول إسرائيل، والإنتماء الى العروبة لا يغتني إلا بتعزيز الإنتماء الوطني اللبناني: فأنا لبناني أولاً…
إن لم نعِ هذه الحقائق وندركها قبل فوات الأوان، فلن يبقى لنا لبنان!