IMLebanon

كي لا يضيع لبنان ويصبح تفصيلاً سورياً  

يبدو بعض من هدوء وضبط للأعصاب، فضلا عن التحلي ببعد النظر، ضرورة لبنانية هذه الأيّام. يكفي اللبنانيين التمعن بما يدور في سوريا كي يلجموا شهواتهم، خصوصا إلى رئاسة الجمهورية ومنع «حزب الله» من السير في مشروعه الهادف إلى تغيير طبيعة النظام اللبناني عن طريق طرح «المؤتمر التأسيسي».

ما تمرّ به سوريا أمر في غاية الخطورة ستكون له انعكاساته على دول المنطقة كلّها وذلك في وقت يتمدّد «داعش» في كلّ الاتجاهات بدعم من نظام بشّار الأسد وبالتواطؤ معه. يأتي ذلك في وقت يظهر جلّيا أن لدى ايران مشروعا خاصا بها يقوم على انشاء دويلة علويّة على طول الشاطئ السوري. تريد لمثل هذه الدولة أن يكون لها امتدادها اللبناني كي يتمكن «حزب الله» من حماية ظهرها من منطلق مذهبي ليس إلاّ. 

لا تبدو روسيا بعيدة عن هذا المشروع الإيراني. الدليل على ذلك تورّطها المباشر اكثر فأكثر في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. لم تعد هذه الحرب ترحم الأقلّيات، مثلما لا ترحم الأكثرية السنّية المستهدفة بعملية تطهير مدروسة ذات طابع عرقي.

يشمل المشروع الإيراني في سوريا تبادلا للسكان على اساس مذهبي. مطلوب تهجير اهل الزبداني من اجل تسهيل قيام الممرّ الذي يربط الدويلة العلوية بالأراضي اللبنانية الواقع تحت سيطرة «حزب الله». مطلوب ايضا السيطرة على دمشق عبر تجنيس لبنانيين وعراقيين وايرانيين وافغان من مذهب معيّن. مطلوب، كذلك، الإتيان بسكان من قرى شيعية في محافظة ادلب عاشوا مئات السنين بوئام مع مكونات المجتمع السوري ووضعهم في الزبداني وغير الزبداني، ما دام الهدف اخضاع دمشق وتطويقها.

المشروع الإيراني في سوريا مستحيل التحقيق. لكنّه في غاية الخطورة، لا لشيء سوى لأنّه يستهدف في نهاية المطاف تقسيم البلد نتيجة فقدان القدرة على ابقائه كلّه تحت سيطرة النظام العلوي، الذي اقامه حافظ الأسد والذي تحوّل في عهد بشّار الأسد إلى نظام العائلة وقسم من الطائفة بالتحالف مع بعض رجال الأعمال السنّة في المدن وبعض الأقلّيات المستفيدة من السمسرات والصفقات… أو على الأصحّ من فتات ما تتركه العائلة للسوريين الآخرين.

مجدّدا، يُفترض باللبنانيين التحلي بالرويّة، على الرغم من أن الكيل طفح لدى المواطن، خصوصا في ظلّ العجز الحكومي عن التعاطي مع أي مشكلة معيشية، بدءا بالنفايات وانتهاء بالفساد الذي ينخر عظام كلّ مؤسسات الدولة. ولكن، على اللبناني، من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق أن يتذكّر أنّ «حزب الله» يحمي المتهمين بكل انواع الجرائم ويعطّل معظم الإدارات واقام سلطة فوق السلطة لا تحترم الحدود الدولية للبنان. الحزب المسلّح، الذي هو كناية عن ميليشيا مذهبية في اساس الفساد. هل تظاهر لبناني لسبب مرتبط بقتال «حزب الله» في سوريا، غير آبه بأن لبنان دولة ذات سيادة وحدود معترف بها دوليا. هل من جريمة اكبر من هذه الجريمة في حق لبنان واللبنانيين؟

ما نشهده حاليا في سوريا فصل أخير من فصول النهاية البطيئة للنظام. يعطي اغتيال الشيخ الدرزي وحيد البلعوس زعيم «تجمّع مشايخ الكرامة« في جبل العرب فكرة عن الدرك الذي وصل اليه النظام الذي لم يعد قادرا على التعاطي مع الأقلّية الدرزية المنتفضة عليه والرافضة للمشاركة في حربه على أهل درعا. 

افلاس النظام السوري ليس بعده افلاس. لذلك على اللبنانيين أن يكونوا أشدّ حذرا من أي وقت. عليهم التساؤل في شأن المكمن الحقيقي للفساد. عليهم السعي إلى معرفة مَن يحمي الفساد والفاسدين. مَن يمرّر إلى السوق اللبنانية بضائع يستوردها من دون جمارك. مَن يمنع العرب من المجيء إلى لبنان والاستثمار فيه. من يضرب مؤسسات الدولة اللبنانية. مَن يعطّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

على اللبنانيين من ذوي النيات الحسنة التساؤل: مَن عطل جلب الماء للمواطن ولمّ النفايات واقامة شبكة الطرقات واقامة خطوط للسكة الحديد بما يربط المدن والمناطق اللبنانية ببعضها البعض. مَن وضع العراقيل منذ العام 1992 في وجه الكهرباء. مَن عطل كل مشروع يصب في تنمية لبنان واعماره. مَن هجر اللبنانيين وفوت كل الفرص عليهم. مَن يدعو حاليا إلى الإنتقام من بيروت. مَن يدعو إلى ضرب القطاعات المنتجة… 

هذه امور تستحق التظاهر من أجلها، ولكن من دون تجاهل ما يدور في سوريا والمنطقة. ما تمرّ به سوريا سيغيّر المنطقة كلّها، بما في ذلك لبنان الذي عليه حماية نفسه بدل الغرق في ازمة النفايات. عليه الخروج من هذه الأزمة بأقل مقدار ممكن من الخسائر، مع الإعتراف طبعا بفشل الحكومة في معالجة هذا الموضوع المهمّ، وهو فشل يتطلب تغيير الحكومة في اسرع وقت. ولكن هل من مكان للفراغ الذي لا يسدّه سوى انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ 

عند تغيير الدول، احفظ رأسك. هذا ما يقوله العقلاء في هذا البلد وفي محيطه. من يريد اسقاط النظام ومن يريد تغييره؟ الجواب بكلّ بساطة أن الخوف كلّ الخوف من أن يستخدم «حزب الله» اللبنانيين، خصوصا بعض المسيحيين، خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني. 

هذا المشروع يعني أوّل ما يعني ضياع لبنان وتحويله تفصيلا سوريا. اللعبة الكبرى في سوريا. إنّها اكبر بكثير مما يعتقد، خصوصا بعد انضمام الروسي إلى الإيراني في القتال على الأرض وبعد التهديد المباشر للدروز، الطائفة المؤسسة للكيان السوري في شكله الحالي.