الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني
عندما ينشر هذا المقال، يكون الجيش اللبناني قد أنجز قسماً أساسياً من مهمته في تحرير جرود رأس بعلبك، والفاكهة ، والقاع من سيطرة «داعش» عسكرياً، وقوى التآمر الداخلي والخارجي سياسياً. وهذا الانجاز يأتي حكماً كأستكمال، لانجاز المقاومة والجيش في عملية تحرير جرود عرسال، وعلى بعد سنوات من انجاز النصر في تموز 2006. وعلى مدى 17 عاماً من تحرير الجنوب والبقاع الغربي.
بعد انجازي عام 2000 و2006، تساءلنا، إلى من نعيد الأراضي المحررة؟ والسلطة التي ستأتي هل هي نفسها محررة من السيطرة الخارجية والتبعية. والحق يقال أن هذين الانجازين، قد استهلكا في ظل النظام الطائفي.
واليوم، وبالتوازي مع عمليات التحرير في الحدود الشرقية، تتصاعد انباء الفضائح التي تطال إلى المال العام، لقمة عيشة المواطن وكل حقوقه من الماء والكهرباء إلى الصحة. فإلى من ستعود الأراضي التي ستحرر… سيدفع الجنود والأهالي ثمناً للتحرير وفي الداخل تمنع عنهم سلسلة الرتب والرواتب إلاّ بالقليل من فائدتها، ويعاد النظر بالضرائب، ليس رحمة بالفقراء الذين على عاتقهم القسم الأساسي منها بل رحمة بأصحاب المال والعقارات وبمغتصبي الأملاك العامة والبحرية. وسيعود الأهالي إلى تسجيل أولادهم، بأقساط تمهد المؤسسات المالكة وخصوصاً الدينية منها، لزيادتها باستمرار لزيادة لم تتوقف كل عام. هذا على المستوى الداخلي، وعلى المستوى العربي، تدفع الشعوب العربية كثيراً من دمها ثمناً للمشروع الأميركي – الخليجي وتطل أنياب التفتيت، لتطال وحدة العراق وسوريا، وليضيع الدم العربي والكردي الذي اختلط في الدفاع عن العراق وعن سوريا، في وجه الارهاب وفي وجه التدخلات الخارجية…
بعد كل ذلك، ما هو المطلوب، خصوصاً من القوى العربية التقدمية، ومن اليسار في العالم العربي تحديداً، ومن اللبناني بشكل خاص؟
في بدايات القرن الماضي، وتحديداً عام 1924، وفي بيانه الأول، ركّز «حزب الشعب اللبناني»، على وحدة النضال الطبقي بوجهه الوطني، والاجتماعي، وإذ كان قد ركّز في الجانب الاجتماعي، على حركة الفلاحين وحقوقهم، ففي الجانب الوطني، ركّز على دعم الثورة السورية وعلى المشاركة فيها، بما في ذلك مشاركة قيادية مباشرة في مواجهة جيش الاستعمار الفرنسي. وبذلك تعبير واضح عن رفضه لنتائج «سايكس- بيكو» وكذلك رفضه ودعوته للتصدي لـ «وعد بلفور». وتجلّت طليعته تحديداً في التحذير في بيانات أخرى من أن يتحول النفط «من نعمة لشعوبنا إلى نقمة».
إذن «الوطني» عنده لم تعنِ «اللبناني» حصراً، بل كان اللبناني جزءاً من انتماء أشمل وأعم هو «العربي».
وأكمل وريثه واستمراره، «الحزب الشيوعي»، السوري – اللبناني، واللبناني بالاتجاه نفسه مؤكداً على قضية فلسطين أساساً في نضاله الوطني. وكان الحرس الشعبي وبعد ذلك شعار التلاحم بين اللبنانيين والفلسطينيين أساس يرتكز عليه نقاشه، وكذلك عام 1982 بتلاحمه مع المقاومة الفلسطينية والجيش العربي السوري في مواجهة عدوان الجيش الصهيوني.
وكان الحزب في مواجهته للفكر «الشيحاوي» الذي شكل الإطار الايديولوجي للبرجوازية اللبنانية التابعة ونظامها الطائفي، في مواجهته لهذا الفكر حاول على الدوام، الخروج من الساحة التي حددها فكر ميشال شيحا.
ولكن رغم كل هذه المحاولات، لا بد من الاشارة والتأكيد على أن اليسار العربي، لم يخرج إلاّ نظرياً من ساحات «سايكس – بيكو» واليسار اللبناني تحديداً رغم محاولاته التي أشرنا لها، بقي أيضاً وإلى حد كبير أسير هذه الساحة. والحجة المضمرة كانت، بامكانية تغيير ديمقراطي في لبنان غير متوفرة في الدول العربية الأخرى وبما في ذلك وقوع اليسار اللبناني في شباك، الاعتقاد «بديمقراطية النظام السياسي في لبنان».
وكذلك ارتكز هذا الطرح ضمناً على التمييز الاقتصادي (والثقافي) للبنان والذي تبدى كحاجة للرأسمال العربي الهارب من فلسطين ومن الدول العربية، التي شهدت تحولات سياسية. واستند كذلك إلى فورة النفط.
أما الآن، فهذه العوامل أثبتت هشاشتها، فلا التغيير تبدى ممكناً في لبنان، نتيجة طبيعة وبنية نظامه الطائفي الذي تفوق بديمقراطيته على الديكتاتوريات العربية. وأشار المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي اللبناني إلى صعوبة (واستحالة) التغيير في بلد عربي بمفرده. وحتى على المستوى الاجتماعي، فان التفاوت الاجتماعي والفقر، أصبح في لبنان مساوياً وربما يزيد عن الدول العربية الأخرى.
التحليل السياسي، لم يعد كافياً. «الاسلام السياسي» بتلاوينه المختلفة سبقنا، إلى تجاوز ساحات «سايكس – بيكو». فهل ندع الشعوب العربية موزعة في صراعها على صراع «مراكز الخلافة» المتناقضة والمتصارعة من تركيا إلى ايران إلى مملكة آل سعود؟؟
اللقاء اليساري العربي ، تجربة جيدة ولكنها تكاد تصبح «مملة» وفاقدة «الدور» إن لم تتطور بالموقف والممارسة وليس التحليل فقط. واليسار ليس جديداً في هذا المجال وحركة «الأنصار» سبّاقة على كل الافكار الأخرى في العالم العربي.
نعم أصبح حلماً أن يبادر اليسار العربي، لطرح شعار «الاتحاد الفدرالي العربي» الذي يراعي التعدد في تكوين شعوبنا والذي يتكون على أساس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وبالبداية فان إطاراً يسارياً فدرالياً، على المستوى العربي هو ضرورة لطرح البرنامج البديل.