IMLebanon

تفاديا لسقوط لبنان سياسياً؟

بغض النظر عما اذا كان انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية صار في متناول اليد ام لا، هناك خطر كبير يتهدّد النظام اللبناني، بل يهدّد لبنان ككيان مستقل ودولة عربية تمتلك تجربة قديمة خاصة بها.

هذا الخطر الكبير، المتمثل في فرض رئيس الجمهورية فرضا من قبل «المرشد» المحلي، يتجاوز سعي ايران الى «المؤتمر التأسيسي» الذي تحدّث عنه في الماضي هذا «المرشد»، وهو الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله. الهدف من هذا المؤتمر تكرّيس المثالثة بديلا من المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان التي نصّ عليها اتفاق الطائف. هل يساعد انتخاب رئيس، أي رئيس في قطع الطريق على المشروع الهادف الى الوصول الى المثالثة؟ هل يساعد ذلك في منع سقوط لبنان سياسيا بعد سقوطه عسكريا اثر تورّط «حزب الله» بالحرب التي يشنها النظام السوري على شعبه من دون اخذ في الاعتبار للحدود اللبنانية ولحدّ ادنى من السيادة الوطنية؟ بكلام اكثر وضوحا، مطلوب التصدي لان يكون لبنان مستعمرة إيرانية لا اكثر ولا اقلّ، أي ان يكون الحكم في لبنان شبيها بالحكم في العراق وسوريا. ليس بشّار الأسد سوى بيدق في لعبة تمارسها ايران في سوريا منذ بدأ المرض يتمكن من حافظ الأسد في العام 1998. الى ذلك، ليس رئيس الحكومة العراقية، اكان حيدر العبادي، او سلفه نوري المالكي سوى موظّف إيراني يأخذ تعليماته من الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الايراني.

من السهل الدخول في لعبة ايران. هناك من يعتقد، استنادا الى منطق يمكن الدفاع عنه، ان لا مجال في الوقت الراهن سوى انتخاب رئيس للجمهورية بايّ ثمن كان وذلك من اجل انقاذ ما بقي من الجمهورية ومؤسساتها. هناك من ينادي بهذا المنطق بعدما عطّل «حزب الله» انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنتين ونصف سنة. يرفض الحزب، وهو لواء في «الحرس الثوري» الايراني ان يمتلك رئيس الجمهورية قرارا خاصا به مستقلا الى حدّ ما عن القرار الايراني. لم يعد مسموحا بان يكون رئيس الجمهورية اللبنانية رئيسا لدولة عربية مستقلّة. صار عليه ان يكون موظّفا لدى «حزب الله»، كما كان رئيس الجمهورية بين 1998 و 2007 موظفا برتبة مدير عام في رئاسة الجمهورية العربية السورية. صارت سوريا، منذ ما قبل ان يرث بشّار والده، رسميا، في العام 2000 جرما يدور في الفلك الايراني. لم يكن بشّار الأسد في أي وقت، وذلك قبل ان يصبح رئيسا، غير جزء لا يتجزّأ من الاستراتيجية الايرانية. في حين كان والده يسعى الى إيجاد توازن مع ايران فتستخدمه أحيانا كي تثبت مواقعها في لبنان ويستخدمها في أحيان كثيرة في لعبة ابتزاز العرب، خصوصا اهل الخليج.

المخيف في الامر ان لبنان يُدفع دفعا من اجل ان يكون في عهدة «المرشد» المحلي الذي يعمل لدى «المرشد» الإقليمي الموجود في طهران. هناك تخلّ عربي عنه وهناك تخلّ أميركي في الوقت ذاته. لم يسبق للبنان ان عانى من مثل هذا التخلي العربي، خصوصا بعدما عملت حكومة «حزب الله» التي شكلّها النائب نجيب ميقاتي كلّ ما هو مطلوب منها كي يتوقّف العرب عن المجيء الى لبنان والاستثمار فيه. من يتذكّر كيف ان الرئيس سعد الحريري دفع ثمن المواجهة المباشرة مع علي خامنئي وكبار المسؤولين الايرانيين الذين طالبوه عندما زار طهران في العام 2010 بإلغاء ضرورة حصول المواطن الايراني على تأشيرة لزيارة لبنان وتوقيع اتفاق دفاع مشترك بين البلدين وتسهيل دخول ايران النظام المصرفي اللبناني في وقت هناك عقوبات دولية عليها.

كان القرار الاوّل الذي اتخذته حكومة «حزب الله» بعد اسقاط حكومة سعد الحريري الغاء التأشيرة للايرانيين. هل من يريد تذكّر مثل هذه الاحداث بين وقت وآخر، اقلّه من اجل فهم ما الذي كانت تريده، وما زالت تريده، ايران من لبنان؟

ليس سرّا ان لبنان لم يعد همّا اميركيا. لم يعد لبنان موجودا بالنسبة الى إدارة أوباما. كذلك، لم يعد هناك استيعاب عربي لواقع يتمثّل في ان ليس صحيحا ان اللبنانيين لم يواجهوا المشرع الايراني ولم يقاوموه. على العكس من ذلك، قاوم اللبنانيون المشروع الايراني طويلا وذلك منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في شباط 2005. قاوموا بعد ذلك الحرب الاسرائيلية التي فرضها «حزب الله»، بطلب من ايران عليهم. كان ذلك في صيف العام 2006. قاوموا كلّ اشكال القمع التي مارسها «حزب الله». من الاعتصام الطويل في وسط بيروت من اجل تعطيل الحياة في البلد وصولا الى ما هم عليه من بؤس الآن، مرورا بطبيعة الحال في غزوة بيروت والجبل في أيار 2008.

قاوم اللبنانيون في العام 2009عندما منعوا «حزب الله» وتوابعه من تحقيق انتصار في الانتخابات النيابية. بات عليهم الآن دفع ثمن تلك المقاومة التي تعتبر مقاومة حقيقية تدافع عن لبنان المتنوع والعربي المتمسك بثقافة الحياة اوّلا.

هل على لبنان واللبنانيين الاستسلام لـ«المرشد المحلي» وتعليماته بعدما اكتشفوا ان لعبة الانتظار تضرّهم اكثر مما تفيدهم، نظرا الى انها تستنزف البلد وقواه الحيّة، وانّ سوريا نفسها تدفع مع شعبها ثمن إصرار إدارة باراك أوباما على حماية الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني؟