Site icon IMLebanon

من أجل إنقاذ الشعب السوري

على كثرة ما يرتفع من الأصوات التي تدين بقوة الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها النظام الاستبدادي في سورية، لم نسمع صوتاً يطالب بتقديم رأس النظام بشار الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة قتل الشعب السوري، وتدمير هذا البلد، وتشريد النصف من سكانه لاجئين إلى دول الجوار، أو نازحين في مناطق من وطنهم. وفي الوقت الذي ينتظر الشعب السوري الخلاص على يد الثائرين من أبنائه الذين حملوا السلاح بعد أن اضطروا إلى حمله، لمواجهة جبروت النظام الذي بلغ أقصى درجات الإجرام، تتردد دعوات من هنا وهناك، إلى مهادنة هذا الرئيس المجرم، والبحث عن مخارج من المستنقعات التي سقطت فيها الدولة السورية، في محاولة لإعادة إنتاج النظام الطائفي وتسويقه للعب الدور المنتظر له في المرحلة المقبلة. ومن هذه الدعوات إعلان السيد نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أنه على استعداد للقاء بوليد المعلم وزير خارجية النظام السوري الإجرامي، للبحث معه عن تسوية سياسية للأزمة في بلاده، مضيفاً أن مقعد سورية في الجامعة لا يزال شاغراً في انتظار عودة مندوبها إلى القاهرة.

وهذا التصريح يتعارض كلياً مع القرار الذي اتخذه المجلس الوزاري للجامعة في 16/11/2011، بتعليق عضوية سورية في الجامعة ومشاركة حكومتها في اجتماعاتها. ولست أدري هل الأمين العام يعبر عن رأيه الشخصي، وهذا ما يدعو إلى الاستغراب، أم عن رأي الجامعة، وهذا ما لم يصدر قرار من المجلس الوزاري به.

ويأتي هذا الموقف متزامناً مع الموقف الروسي الذي شدَّد على ضرورة التعامل مع الأمر الواقع والتسليم بدور للرئيس المجرم بشار الأسد في العملية السلمية المرتقبة، وهو ما ينسجم تماماً مع الموقف الإيراني المشارك في قتل الشعب السوري وتدمير بلاده. وليس الموقف الأميركي بعيداً من هذه المواقف جميعاً، مع الفارق في التفاصيل وفي المبررات، لأن الإدارة الأميركية، وبعض الدول الأوروبية معها، تراوغ في تصريحاتها. والحقيقة أنها ترى أن التعامل مع النظام القائم في دمشق على علاته، سيكون أفضل من التعامل مع المجهول، خصوصاً وأن تنظيم ما يعرف بـ «الدولة الإسلامية» الإرهابي المصنوع لهذا الغرض، قد بات يكتسب مواقع له على الأرض السورية، وأصبح اهتمامه اليوم منصباً على دمشق.

إن أخطر ما تحقق للنظام في سورية أنه جعل من نفسه بديلاً عن المنظمات الإرهابية، وقدم نفسه للعالم بأنه مستهدف من الإرهابيين، وبأنه القادر على إحباطهم وإفشال مخططاتهم، فطفق يدلس أمام المجتمع الدولي ويقول: إما أنا وإما داعش! وبدا اليوم أن العالم استجاب لهذه العملية الخداعية، وانطلت عليه اللعبة حتى صار يقيم حساباته على أساسها. وبذلك أجهضت الانتفاضة السورية، وخاب مسعى المعارضة في الداخل والخارج، وتبخرت أحلام الشعب السوري، وضاعت آماله. ولعل هذه الأجواء الملبدة بسحب الخداع والتضليل، هي التي شجعت نبيل العربي ليدلي بتصريحاته. وفي جميع الأحوال، فإن بشار الأسد يجد له اليوم مخرجاً يسترجع به أنفاسه، ويعيد ترتيب أموره على أساس أنه باقٍ في منصبه، وأنه أصبح في منأى عن الملاحقة الدولية. وهذا هو المكسب الذي حققه له مؤيدوه والداعمون له. وفي ذلك ظلم كبير للشعب السوري، ولمقاومته البطولية، وإطالة لأمد المعاناة التي يكتوي بها.

ومهما يكن من أمر المزايدات والمقايضات، فإن منطق العدل والحق والإنصاف والقانون الدولي، يفترض أن يقدم بشار الأسد مع العصبة من المجرمين الذين يدورون في فلكه، إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتلك هي المهمة العاجلة التي يتحتم على أحرار العالم أن يقوموا بها. بل يفترض أن تبادر الدول العربية الداعمة للمعارضة السورية بالتحرك في هذا الاتجاه، في الوقت الذي يستمر فيه الدعم الشامل للمعارضة المسلحة على الأرض التي باتت تحقق مكاسب تعزز حضورها، على رغم استعانة النظام بحزب الله في لبنان وبتنظيمات شيعية أخرى معززة بمقاتلين من العراق وباكستان وأفغانستان ومناطق أخرى.

إن هذه المهمة العاجلة منوطة بالدول العربية التي تعمل على دعم الشعب السوري وتحقيق آماله، أكثر مما هي ملقاة على عاتق من يسمّون أصدقاء سورية، إن كانوا قد بقوا أصدقاء فعلاً. فتحت أيدي المعارضة السورية ومنظمات حقوقية وإنسانية دولية عدة، ملفاً ضخماً عن الجرائم البشعة التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها نظام بشار الأسد. وتحفل التقارير الدولية بالدلائل المقنعة القاطعة في إدانتها النظام السوري بارتكاب تلك الجرائم طوال أربع سنوات ونيف.

إن ملايين السوريين اللاجئين في دول الجوار والهائمين على وجوههم في بعض دول العالم، والنازحين الذين فروا من بطش قوات النظام وأعوانه الطائفيين وتوزعوا في مناطق يظنون أنها آمنة داخل سورية، لن ينقذها من البؤس والحرمان والقهر سوى توجيه الضربة القاصمة إلى رأس هذا النظام الاستبدادي الطائفي الواغل في دماء هذا الشعب العربي المنكوب. فهل تكون البداية من جامعة الدول العربية فتتخذ قراراً برفع الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية؟ لم لا، وللدول العربية الداعمة للمعارضة القدمُ الراسخة والقدح المعلى في الجامعة؟ فلو تحركت الدول العربية التي هي صديقة فعلاً للشعب السوري في هذا الاتجاه، لتغيرت المعادلة، ولانقلبت موازين القوى.