تمتعض الجماعة الإيرانية في نواحينا والجوار من أي شيء تفعله المملكة العربية السعودية.. ومن حيث المبدأ قبل التفاصيل. بل تراها تتبرّم وتعبّر عن ضيقها وغضبها أكثر إذا كان ذلك الشيء على صلة بالرحابة والانفتاح وثقافة الوصل والربط والإلفة والتعايش بين البشر بدلاً من التماوت وشؤونه الكثيرة حيث الكسل والخلع والنبذ والإقصاء والإمحاء والتخوين والتكفير والارتداد إلى الذوات الخاصة وتدريعها بالأنويات واليقينيات والإدّعاءات بالفرادة والنجاة.. دون سائر خلق الله.
والمسار السعودي في لبنان ومع لبنان جزء من المسار العام المنطلق في المملكة ومنها إلى الدنيا. وهذا على كثافته وسرعة حركته يستند إلى مخزون قيمي ديني ووضعي يُثبّت الفضائل ومكارم الأخلاق ويحضّ على الاعتدال ولغة الحوار والثقافة والأدب ولا يدّعي شيئاً ويفعل عكسه. ولا يذهب في الغلو بعيداً فيما يدّعي التواضع. ولا يبشّر بالحياة وأشيائها فيما يُشيع الموت أينما حلّ!
المملكة تأخذ من اللبنانيين، أهل علم وأدب وثقافة وفنون وإعلام، إلى مشاوير إلفة. و«مشاريع» نضارة وحياة وتَوَاصُل وبناء وتنمية وورود وعطور ورياحين ولا تفعل مثل غيرها! لا تأخذهم مطايا لأهوائها وطموحاتها وجموحاتها، ولا تقولبهم في معسكرات الشوك والعدم! ولا تعبّئهم على وقع مواويل الويل ونفي الآخر وانتهاك كراماته وحرماته ومقدّساته! ولا تجعل منهم حطباً لنيرانها وعمّالاً في سعيها خارج أرضها وبين أقوام غير قومها! ولا تقاتل بهم ولا تُصدّرهم كأتباع يَقتلون ويُقتلون! ولا ترمي عليهم تبعات تعمير «نفوذها» و«قوّتها» و«بأسها» وإدّعاءاتها و«إمبراطوريتها»! ولا تستغلهم كأدوات سياسية أو أمنية! ولا تفرزهم وفق الانتماء المذهبي، الأَولى عندها على «الانتماء» السياسي! ولا تبني منهم ميليشيا مسلحة، وبأدلجة أنانية نافرة تبيح العدوان والسطو على «حقوق» الآخرين، الدينية والسيادية والوطنية والتملّكية!
السعودية في لبنان ومع اللبنانيين ليست سوى عنوان خير وتنمية واعتدال وسلام وثقافة وانفتاح وليس العكس أبداً.. ورحلة الشتاء إلى فعاليات مهرجان طنطورة في العُلا كانت إطلالة واحدة من ضيوف المملكة، على أحد تفرّعات ذلك المسار في أرضه وبين أهله باعتباره متّصلاً باللبنانيين وبلدهم وسياسة المملكة تجاههم وتجاه بلدهم.. والشكل في تلك الرحلة أكمل المضمون ودلّ على حيوية وحِرَفية وطول باع وحسن تنظيم من قِبَل الهيئات المعنية ووزارة الثقافة والسلطات الموجودة برمّتها.. وهذه أكملت الجهد الذي بذلته وتبذله السفارة السعودية في بيروت والسفير المميّز والممتاز وليد البخاري وأعوانه وبمتابعة دؤوبة ونشطة من قِبَل المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا وبحضوره المحبّ والودّي والآسر في أدبه وسمو خلقه وتواضعه.
الوفد اللبناني الذي ذهب إلى فعالية «شتاء طنطورة» لم يجد هناك من السعوديين، إلاّ ما وجده ويجده منهم في لبنان نفسه: تكريم موصول ومنسوج على عرى علاقة أُسرية محترمة وتليق بالكرام، وتتآخى مع السياسة النبيلة التي اعتمدتها وتعتمدها الرياض مع لبنان وأهله على مدى التاريخ حيث الرحابة والاعتدال والخير والبناء والعمران والنفوس الكريمة والمرامي والأهداف السامية الساعية إلى الخير والحياة..