Site icon IMLebanon

تمهيداً لمعركة دمشق… هل يلعب «حزب الله» ورقة السيطرة في لبنان؟

جاءَ علي أكبر ولايتي متفقِّداً «الولايات الإيرانية المتحدة». وبين لبنان وسوريا مرَّر «كلمة السرّ» الإيرانية في اللحظة الشرق أوسطية الحسّاسة. فالاتفاق مع الغرب يقترب سريعاً، وهو أكبر من مجرد التفاهم على النووي. ولذلك، يتصاعد السباق لترتيب مناطق النفوذ وفرض الأمر الواقع، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان.

أكبر التحدّيات المطروحة على نظام الرئيس بشار الأسد في المرحلة المقبلة هو: هل سيتمكّن الأسد من الاحتفاظ بدمشق، كلياً أم جزئياً، أم سيتراجع إلى بيته الصغير في الساحل السوري، حيث لا يهدِّده أحد، وحيث يحظى بالحماية الروسية العسكرية والغطاء الأميركي، وحيث الواجهة مفتوحة على البحر.

الخبراء يجزمون بأنّ المنطقة العلوية «مضمونة»، لكنّ اتساعَها رهنٌ بالصراع والمقايضات. فإذا بقي النظام مسيطراً على دمشق، ولو على القصر وأجزاء من العاصمة، فهذا يعني أنّ المنطقة المحيطة بها من الجهة اللبنانية، ومن جهة حمص ستبقى خاضعة له، وستبقى المنطقة العلوية ممتدَّة في موازاة المنطقة الشيعية اللبنانية وصولاً إلى الساحل السوري. وفي هذه الحال، سيبقى شكلٌ من أشكال النظام قائماً، ولو على جزءٍ من سوريا.

وأمّا إذا سقطت دمشق كلياً في أيدي المعارضة السورية، سواء «داعش» أو «النصرة» أو القوى المعتدلة الناشطة جنوباً، فهذا يعني أنّ النظام سقط رسمياً بسقوط العاصمة، وتحوَّل الأسد زعيماً للمنطقة العلوية في الساحل فقط. فمن الصعب على الأسد أن يحافظ على كامل حمص وأريافها إذا خرج تماماً من دمشق وأريافها.

ومن هنا أهمية المعركة المتوقَّعة في دمشق، في نهاية المطاف. فهي ستقرِّر الحجمَ المرسوم للمنطقة الخاضعة لنفوذ الأسد. ومعركة القلمون أكثر من حيوية في هذا المجال.

ولذلك، جاء ولايتي، الرئيس السابق للديبلوماسية الإيرانية، الهادئ والمحنّك، لينسِّق الخطوات مع الحلفاء في بيروت ودمشق. وما أن غادر لبنان حتى أعلن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله عزمه على حسم المعركة في عرسال وجرودها بأيّ ثمن. ومنذ تلك اللحظة، تبدَّل الجوُّ اللبناني الداخلي. وللمرة الأولى منذ قيام حكومة الرئيس تمام سلام، يبدو الاستقرار السياسي المغطى دولياً في خطر.

ولم يسبق لـ«حزب الله»، مباشرة أو عبر حلفائه، أن أعلن رغبته بإسقاط حكومة هي عنوان الاستقرار الداخلي. ويفسِّر المتابعون هذا الموقف بأنّ «الحزب» يرغب بتوجيه رسالة إلى القوى الدولية، وواشنطن خصوصاً، مفادها أنّ «الحزب» قادر على «الخربطة» إذا لم تراعَ مطالبه، ويمكنه إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل إسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أيْ الإمساك بالبلد وحده.

تقول الأوساط القريبة من «الحزب»: نحن دعَوْنا تيار «المستقبل» إلى الحكومة، وأعطيناه المواقع المهمة من رئاسة الحكومة إلى وزارتَي الداخلية والعدل، لأننا أردناه شريكاً في ضرب الإرهاب التكفيري. وهذا لمصلحته كتيار اعتدال داخل الطائفة السنّية. فالقوى المتطرّفة كانت تأكل من رصيده عندما كان غائباً عن السلطة وعن البلد.

وحتى الأمس القريب، نسَّقنا معه كلّ الخطوات ضمن الحكومة وجولات الحوار، وكان متجاوباً معنا تماماً. وعلى رغم التضارب في المواقف حول اليمن والدور السعودي بقي التنسيق قائماً. ولكن، مع بروز مأزق عرسال، بدأ التوتر. ونحن مصرّون على أن يتحمَّل لبنان الرسمي مسؤولياته ضدّ الإرهاب التكفيري الذي يأسر عرسال ويهدّد جوارها الشيعي والسنّي والمسيحي. لكنّ «المستقبل» يقف حائلاً دون تنفيذها.

وفي الحوار، تضيف الأوساط، تفاهَمنا على وضع حدّ لفوضى النزوح في الجرود، وعلى نقل المخيمات إلى مناطق أخرى. إلّا أنّ شيئاً لم يتحقَّق. فهناك موافقة على نقل بضع مئات من النازحين فقط. وحتى هؤلاء يعترض البعض على نقلهم. وربما ينضوي بعضهم تحت عباءة الإرهاب التكفيري.

وبناءً على هذه المعطيات، يخشى البعض أن يحاول «حزب الله» العودة إلى الإمساك بالحكم وحده. وهو يسعى اليوم إلى الضغط على «المستقبل» ودفعه إلى مجاراته في الخطوات التي يسعى إلى تنفيذها في عرسال وسواها، تحت طائلة اللجوء إلى 7 أيار جديدة. والعماد ميشال عون قد يكون جاهزاً للمساهمة في هذا الدور، إذا بقي غاضباً بسبب عدم الإستجابة لمطالبه.

فالعماد عون يحاذر إجمالاً إظهار صورته كمتمرّد على إرادة التوافق الدولي، على رغم تحالفه الوثيق مع «حزب الله». وهو يدرك أنّ من المستحيل أن يصل شخص يتحدّى الإرادة الدولية إلى رئاسة الجمهورية في لبنان. ولذلك، فإنّ عون لن يشارك «حزب الله» قرار «الخربطة». لكنه سيفعل ولن يخسر شيئاً إذا فَقَدَ الأمل في الرئاسة نهائياً… وفي قيادة الجيش أيضاً.

العالمون يقولون إنّ «المستقبل» لن يرضخ للضغوط التي يمارسها «الحزب» وحلفاؤه، ولو كلَّفه ذلك إسقاط الحكومة أو تعطيل عملها وتحويلها إلى حكومة تصريفٍ للأعمال. وفي هذه الحال، يخشى البعض أن يحاول «حزب الله» السيطرة على القرار اللبناني مستخدِماً الضغوط المعتادة منذ 7 أيار 2008، على رغم أنّ أكلاف المحاولة قد تكون كبيرة هذه المرَّة.

فثمّة مَن يعتقد أن خياراً من هذا النوع، يستضعف الاعتدال السنّي، سيعوِّم الجماعات السنّية المتطرِّفة التي انكفأت عن الواجهة السنّية اللبنانية بفضل جهود «المستقبل». وهنا تعود إلى الظهور سيناريوهات المواجهة بين «حزب الله» وهذه الجماعات. وقد لمَّح إلى بعضها زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني أخيراً. وهذه السيناريوهات كلها ساخنة ودموية.

بالنسبة إلى «حزب الله»، السيطرة على عرسال وكامل المنطقة البقاعية كانت دائماً هدفاً يريد تحقيقه عاجلاً أم آجلاً، لضرورات كثيرة. ولأنّ معركة القلمون فرضت نفسها، مقدمةً للمعركة التي يقترب استحقاقها في دمشق، فربما بات الحزب مضطراً إلى كشف أوراقه بالكامل. وقد يجد نفسه مندفعاً إلى محاولة الإمساك بالسلطة في لبنان، منعاً لأيّ خرق يصيبه في الظهر خلال معركته الثقيلة، أيْ المعركة المنتظَرة على دمشق.

مطلوبٌ من «الحزب» أن يحمل بطيخات عدة في يدٍ واحدة… من اليمن إلى العراق وسوريا فلبنان، وكأنه «العاشق الوحيد الذي تُلقى عليه تَبِعاتُ الهوى» في «الهلال الشيعي». وهذا يؤشِّر إلى براعة «الحزب» ورصيده الإيراني، لكنه مُتعِب له إلى حدِّ الإرهاق. ولذلك، يبدو «الحزب» عالقاً حيث صعوبة الرجوع إلى الوراء موازية تماماً لصعوبة التقدُّم إلى الأمام. فماذا سيفعل؟…