تبدو زيارة فلاديمير بوتين إلى طهران غداً وكأنّها دلالة على تنامي رقعة الخلافات مع الولايات المتحدة، أكثر من كونها دلالة على تقدّم في مستويات التفاهم الروسي – الإيراني في شأن جملة قضايا وهموم مشتركة.
ويبدو الرئيس الروسي، وكأنّه قرّر أن يخاطب واشنطن من خلف عباءة المرشد الإيراني، أكثر من كونه ذاهباً لإعلان التضامن معه في الحملة التي باشرتها إدارة الرئيس دونالد ترامب ضدّه وضدّ السياسات الإيرانية التخريبية في المنطقة العربية وخارجها والمشتملة على الاستمرار في إعتماد سلوكيات عدائية واضحة. وفي التمسك بنهج راكمت الولايات المتحدة تردّداته، من تفجير مقرّ «المارينز» في بيروت العام 1983.. إلى وقائع 11 سبتمبر عام 2001، وما بينهما، وقرّرت اليوم استحضارها ووضعها كلها على الطاولة دفعة واحدة!
أي في ذروة التصعيد الأميركي ضدّ إيران، يذهب بوتين إليها! معتمداً في ذلك سياسة نكايات أكثر من منطق المصالح وضروراتها! وهذه في كل حال تُبرّر مثالب كثيرة لكنها لا تصل إلى حدّ مدّ الرأس بين قبضات متخاصمين إلى هذا الحدّ! ولا إلى الاصطفاف المكشوف إلى جانب طرف مُتّهم باعتماد طرائق وأطر خارجة عن أصول التعامل بين الدول، وقافزة فوق الحدود السيادية المجاورة، وآخذة بأدوات عمل، يتفق العالم على توصيفها بـ«الإرهابية»!
بل أكثر من ذلك، يبدو بوتين وكأنه يريد توجيه رسالة غاضبة إلى المؤسسة الأميركية برمّتها وليس إلى إدارة ترامب تحديداً: إلى الدأب الذي يظهره الكونغرس بمجلسَيه في متابعة التحقيقات بالتدخل الروسي في الحملة الانتخابية الرئاسية. وإلى الجهد المبذول لكشف كل خيوط ذلك التدخل «المهين»! والذي فوّت ويفوّت على صاحبه، رئيس روسيا، قطف ثماره المفترضة بعد «نجاحه» في إيصال ترامب إلى البيت الأبيض!
وليس أفضل من منصّة طهران للتعبير عن ذلك الغضب! باعتبار أن كوريا الشمالية (مثلاً) قضية دولية كبرى تتصل بدول شرق آسيا والصين وأوروبا بقدر صلتها المباشرة بالأميركيين! ومساحات المناورة فيها ضيّقة إن لم تكن مقفلة تبعاً لنظامها الستاليني وانغلاقها على ذاتها.. واقتصار «أدوارها» الخارجية على تصدير التقنيات الصاروخية (والنووية!) إلى بعض الدول، ومنها إيران!
ولولا هذا، لذهب بوتين إليها! خصوصاً وأن مناورته في إيران محكومة بضوابط كثيرة منها علاقاته مع إسرائيل! ومنها التزاماته التركية والإقليمية في شأن النكبة السورية! ومنها عدم تماهي سياساته في «القطر الشقيق» مع سياسات «الولي الفقيه» وطموحاته! ومنها بعد ذلك وقبله وفوقه وتحته، تمسّكه بالنجاح الذي حقّقه في سوريا لجهة تسويق دوره الجسري، والتعويض، على حساب أهلها، عن صورة البلطجي التي لبسها غداة اعتدائه على أوكرانيا وضمّه شبه جزيرة القرم إلى «الوطن الأم»!
لكنّ في زيارته إلى طهران بُعداً سورياً طابشاً وواضحاً.. ومنها يحاول أن يقول للأميركيين أن التفويض المعطى له من قبل إدارة السيّئ الذكر باراك أوباما، دائم وليس عابراً أو مرحلياً. ولا ينتهي بانتهاء الحرب على جغرافية الإرهاب. بل يشتمل على أرجحية القرار في شأن طبيعة «التسوية» المطلوبة! وطبيعة الحكم والمؤسسات والعلاقات بين «الشعوب السورية»! وطبيعة الدستور المطلوب! و«مصير» آل الأسد! وخريطة توزّع مناطق النفوذ! ثم الإصرار على حماية بقايا السلطة الخشبية في دمشق من تبعات استخدامها السلاح الكيماوي!
.. يذهب الروسي إلى الإيراني للتصويب على الأميركي! عُلِمْ!