IMLebanon

في الرقّة.. الصعبة!

انطلاق معركة الرقّة أمس بمواكبة جويّة من طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، يعني انطلاق المرحلة الميدانية الأخيرة من الحرب على الحيّز الجغرافي للإرهاب، والتعويل على ذلك لمتابعة استهداف مناخاته.. فكرياً ووظائفياً.

وهذه معركة متممة لتلك الناشبة في الموصل، ويُتوقّع أن تكون على القدر ذاته من العنف والشراسة، وأن تأخذ وقتاً طويلاً وأرواحاً كثيرة قبل أن تُحسم.

لكن هناك معضلة مركّبة، ويمكن أن تثير التوجّس وتذهب بالافتراضات الى خلاصة تقول بأن «الإرهاب الجغرافي» هدف سهل، لكن القضاء على البؤرة المكانية لا يعني القضاء على احتمالات تمدّد «الفكرة» والعودة الى الاستثمار في أشكالها وفظاعاتها!

قبل «داعش» كانت «النصرة» وقبل «النصرة» كانت «القاعدة». والحرب على الأخيرة قياس يُعتمد: الذهاب العسكري الصاخب الى أفغانستان غداة جرائم أيلول 2001، قضى على الملاذ الذي وفّرته دولة «طالبان» لتلك الجماعة الإرهابية. لكن زئبق «الفكرة» كان ولا يزال عصياً على الحصر والتفطيس! وذلك، مثلما هو قائم وحاصل ومعروف، أفضى الى أشكال موازية في العراق بداية، ثمَّ في سوريا.. ومن «أبو مصعب الزرقاوي» الى «أبو بكر البغدادي»! وما بينهما، في التنظيم والأتباع والأمكنة، بحيث أنّ دول الخليج العربي، والمملكة العربية السعودية تحديداً، كانت الأكثر استهدافاً بذلك الشطط الإرهابي وعنفه وإجرامه.

المعركة الراهنة في الموصل والرقّة تُخاض تحت العنوان ذاته لمعركة أفغانستان قبل ستة عشر عاماً! وهذا في ذاته، كافٍ لتشخيص حجم الغلط. وللدلالة على أن ادعاء الشمولية في الحرب على الإرهاب، وخوضها عملياً بالتقسيط أو بطريقة جزئية، لا يوصل أبداً الى «الانتصار» المأمول! ولا يحقق النتائج المطلوبة!

و«النتائج المطلوبة» حسب أدبيات الإدارة الأميركية وشعاراتها وتوجهاتها، لا تنزل تحت سقف استئصال شأفة الإرهاب من الجذور! وهذا في المبدأ والتفاصيل، أمرٌ ليس تعجيزياً.. ويقلّ بأشواط، عن التعجيز الكامن في التركيبة اللغوية التي سرت طويلاً في شأن القضية الفلسطينية، وخصوصاً بعد تكثيف العمليات الانتحارية داخل الخط الأخضر والقائلة بأنّ معالجة الظاهرة تستوجب معالجة أسبابها. وهذه تعني إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه وإنتاج تسوية سياسية تأتي بالأمن للإسرائيليين وببعض العدالة للفلسطينيين.. إلخ.

دون تلك التركيبة (الصحيحة بالمناسبة) كانت مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة المتماهية في الإجمال، مع التركيبة الاستراتيجية الإسرائيلية التي لم تصل ولا مرَّة الى تغليب منطق التسوية على منطق القلعة! ولا الى اعتبار الحق الفلسطيني موازياً أو صنواً للأمن الإسرائيلي!

في المعطى الإرهابي الراهن أمر آخر: هناك «إجماع» واضح على المواجهة، التي لا بديل عنها! لكن في مصطلح «الإجماع» هنا بلفٌ تعرفه معظم القوى الكبرى المعنية وهذا، إذا استمرّ التغاضي عنه، أو إخضاعه للمساومة، كفيل بجعل الحرب الحالية، مجرّد معركة في سياقات مواجهة طويلة المدى!

هناك عناوين جغرافية للإرهاب، خارج حدود الموصل والرقّة وأكبر منهما! وهناك عناوين للمستثمرين في الإرهاب، خارج حدود سوريا والعراق وداخلها! وهناك جذور سياسية للإرهاب، أخطر وأكبر من جذوره الدينية المدعاة: الانتصار على الإرهاب في العراق مستحيل من دون إعادة التوازن السياسي الى الحكم العراقي! ومن دون كفّ (أو الحدّ من) نفوذ إيران فيه! والانتصار على الإرهاب في سوريا مستحيل طالما بقيت بقايا من بقايا سلطة رئيس سوريا السابق بشار الأسد في مكانها! وطالما إستمرّت طهران في اعتبار سوريا مشاعاً لها ولسياستها ومعبراً حدودياً من معابرها! وطالما بقيت (قبل ذلك وفوقه وتحته) تعتمد تلك السياسات الخارجية ذاتها برغم انكسار زخمها الداخلي.. ثمَّ طالما إستمرّت موسكو في اعتماد ذلك الدمج العجيب والغريب بين غالبيّة السوريين والأقليّة التكفيريّة والإرهابية!

تعقيدات هذا المشهد لا تعني استحالة العلاجات الصحيحة للظاهرة الإرهابية بالإجمال.. وهذا بالتأكيد ما أطلقته قمم الرياض العربيّة – الإسلاميّة – الأميركية، وبدأت بوادره التنفيذيّة بالفعل بالسياسة والحصار والقتال..