Site icon IMLebanon

في كلام منعش!

رصين وجدّي، وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون. ودلالة ذلك، أنّه قليل الكلام برغم كثرة «إنشغالاته»! وعلى عكس رئيسه دونالد ترامب، لم يضطر مرة واحدة الى توضيح تصريح ما! أو الى التراجع عن موقف أعلنه.. مثلما أنّه يوحي بالثقة على عكس سلفه جون كيري الذي اشتهر بكثرة الحكي وقلّة الفعل، أو بالأحرى الإكثار من الحكي لتعليل وتفسير وتبرير عدم الفعل، وسياسة الانكفاء الأوبامية وعنوانها البرّاق «القيادة من الخلف»!

وربما مردّ ذلك، الى كونه رجل أعمال ونفط ومال، استُدعي الى السياسة وعالم الديبلوماسية.. وخلفيّته هذه تعني اعتياده على العمل خلف أبواب مغلقة بصمت وهدوء وتأنٍّ. والتعامل مع الأرقام والمعادلات الحسابية التي لا تحتمل أي شرود أو خطأ.. ثم الاكتفاء بالإعلان عن «النتيجة الأخيرة» فور نضوجها وظهورها. أي على العكس تماماً من الشغل السياسي العام الذي يجعل صاحبه مضطراً لشرح كل خطوة يخطوها، أفلحت أو أمحلت، أنتجت أو لم تنتج!

فرادته أنّه وزير خارجية أكبر دولة في العالم. و«قضاياها» تمتد على مساحة الكرة الأرضية.. ومع ذلك يعتمد الصمت في معظم الأحيان، والاختصار عند الضرورة. ثمّ يترك الواجهة لرئيسه ترامب، وتغريداته مع كثرة التناقضات والالتباسات ودواعي الحيرة فيها!

ولهذا ربما، تحمل تصريحاته القليلة ثقلاً مضاعفاً. وتدفع المتلقّي الى أخذها على محمل الجدّ.. ثم إيلائها ثقة أكبر من تلك الممكنة إزاء السياسة الأميركية (الخارجية) في الإجمال! ومن ذلك حديثه في أوّل زيارة له الى موسكو منتصف نيسان الماضي، عن أمرَين كبيرَين في الموضوع السوري. الأوّل تأكيده أولويّة إلحاق الهزيمة بـ«داعش»، والثاني تأكيده «أنّ حكم آل الأسد» يقترب من النهاية. وتخييره الروس بين البقاء الى جانبه وجانب إيران أو «التحالف مع الولايات المتحدة»!

وبالأمس عاد وقال شيئاً قريباً من ذلك لكن بلغة مختلفة: كرّر التأكيد على أنّ لا دور للأسد في مستقبل سوريا، و«أنّ على المقاتلين الإيرانيين العودة الى بلادهم»! وكلامه هذا، المبدئي في كل حال، جاء على النقيض من المناخات الاحتفالية والانتصارية الممانعة القائمة في زبدتها على فرضيّة «إنكسار المعارضة وانتصار الأسد»!

لا أعرف ما يعرفه مستر تيلرسون! لكن ما أعرفه ويعرفه كلّ الناس في المحصلة، هو أنّ إيران وتابعها رئيس سوريا السابق يملآن الدنيا ضجيجاً وتفنيصاً بـ«إنتصارهما»، تبعاً لتسليم الأميركيين للروس بكل الأوراق السورية! و«قبول» الغربيين ودول القرار والتأثير في المنطقة، بتعويم الغريق الأسدي!.. إلخ.

.. وما صرت أعرفه ويعرفه كلّ الناس في المحصلة، هو أنّ كلام وزير الخارجية الأميركي يفخّت وينفّس كل تلك البراميل الإيرانية – الأسدية دفعة واحدة! ويُعيد تصويب البوصلة في اتّجاه دائرة الصفر: الخيار ليس بين الأسد وإيران أو الإرهاب، بل ان الأقانيم الثلاثة في سلّة واحدة! وخارج «مستقبل سوريا»!

كلام منعش في عزّ حرّ آب اللهّاب! حتى لو عملت سوسة الشك عملها، في الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية!