Site icon IMLebanon

في حقائق باقية

 

 

في النصّ المستعاد تكرار بمعنى الديمومة. حيث الحال على ما هي عليه، باقية تُعاند الإضافات و«المستجدات»، وحيث الحقائق أزلية حتى وإن طرأ عليها لاحقاً ما يناقضها أو يستدعي وصف بديل عنها. وحيث التأريخ في أحوالنا الحداثية يُبنى (ويُرصف) بالواقع وليس بالافتراض. وبالوقائع وليس بالتأليف والتخريف والتحريف، وبـ«الأدلة» المرئية والمسموعة وليس بالرأي ولا بالنقل والنسخ وغواية المبالغات والاستطرادات والانتصارات.. وحيث الحكاية تُروى من دون شطط:

 

“على حدّ علم كل من على هذه المعمورة، وحتى مَنْ سبقَ ومرَّ فيها ثم عبَرَ عائداً إلى ربّه، فإنّ المملكة العربية السعودية لم تمارس، في يوم من الأيام، سياستها الخارجية استناداً إلى النص الديني. ولم تخلط بين الأمرين. ولم تسعَ في أرض غيرها لتسويق طموحاتها أو غاياتها من خلال وضع بيان الفرقة في موضع الجمع. أو دعوة الناس إلى ترك ما فيهم واللحاق بمعتقداتها. ولم تتخطَّ الأطر الكيانية الدستورية القائمة في أي بلد، قريب أو بعيد، لتزرع بدائل عنها تابعة لها مباشرة. ولم تبث في أرض الغير وأقوامهم دعايتها المعنونة بـ«الأمة» والمبطّنة بالانتماء الخاص. ولم تُساهم أو تُساعد أو تحرّك وتائر زعزعة كيانات عربية وإسلامية من أجل ادعاء صيرورتها قوى عظمى.. ولم تنشئ ميليشيات مسلّحة، ولا جيوشاً رديفة للجيوش الوطنية. ولم تدّعِ يوماً أنّها مصدر الإلهام الثوري و«الصحوي» الذي سيغيّر طبائع الأرض ويزيل الطغيان. ولم تفتك أو تدعم الفتك الضاري بشعوب كاملة، فقط لأنّ فيها مقوّمات اختلاف، أو نزعة تحرّر من الجور، أو تطلع إلى شيء من العدل.

 

ما يعرفه اللبنانيون مثلاً، هو أنّ السعودية لم تعوّف وسيلة أو طريقة إلا وأخذت بها من أجل الوصول إلى «إتفاق الطائف» وإنهاء الكارثة اللبنانية بكل أبعادها. وإن ذلك الاتفاق لم يتضمن بنداً ينصّ على تدريس أصول الفقه الديني وفروعه! ولم يتضمن اشتراطات مستندة إلى تفسيرات وشروحات زيد أو عمرو.. بل أخذتهم كما هم ولم تطلب منهم سوى الكفّ عن قتل بعضهم بعضاً.

 

والذي لا ينكره إلا صاحب غرض، وفيه مرض، هو أنّ السعودية عانت مثل غيرها وأكثر، من المغالاة التي ولّدت ظواهر الإرهاب والتكفير. وإنها في الإجمال تقارب هذه المعضلة من وجوه متعددة، أساسها الإقرار وليس الإنكار، بوجود مشكلة، ومشكلة كبيرة لا بد من التصدي لها ومواجهتها، وهذا ما تفعله بالتمام والكمال.

 

.. والذي لا ينكره إلا كيدي وأرعن، هو أنّ السعودية في الإجمال لا تنكر البعد الارتباطي الديني في سياساتها الخارجية، لكنّها لا تجعل منه الأساس والأصل. ولا (ولم) تدعم طغياناً لأنّ صاحبه قريب لها في العقيدة الدينية أو جزء منها، أو من مدارسها. ولم تفعل العكس إنطلاقاً من ذلك الاعتبار. بل إن كلّ من على هذه المعمورة، وحتى مَنْ مرَّ فيها وعبَر، يعرف (وعرَف) يقيناً أنّ المملكة سيّدة في افتراض الخير في الآخرين قبل الشرّ. وفي مقاربة نقاط الافتراق والخلاف انطلاقاً من تغليب احتمالات التوافق والاطفاء بدلاً من التسعير والإشعال.

 

.. والذي لا ينكره إلا صاحب غرض وفيه مرض، هو أنّ السعودية فعلت وتفعل المستحيل لنفي الفتنة الإسلامية وعدم اعتبار الافتراق السياسي افتراقاً دينياً مذهبياً، فيما غيرها فعل ويفعل المستحيل لجعل الفتنة وسيلة لتحقيق أهدافه وغاياته السياسية والقومية.. وأي وسيلة وأي غايات».