IMLebanon

في الوضوح السعودي

لم يخيّب رجاء أحد ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز: صراحته قطعت الطريق على التأويل والاجتهاد والتفسير وطول الشرح. ووضوحه في عرض مواقفه، لم يترك مجالاً للأخذ والرد.. واضعاً مقولة أنّ صاحب الحق سلطان في موضعها.. والكلام عنده كان وليد ذلك الحق ولا شيء آخر.

حديثه عن إيران نتاج أمرين. الأول أنّ السعوديّة ليست معتدية بل مُعتدَى عليها. و«حقها» على القريب والبعيد أن يقرّ بذلك تبعاً لشواهد يراها كلّ من عليها. والثاني تتمّة الأول، وهو أنّ إيران نفسها، في النص والبيان والأداء تُعلن وتُجهر مسؤوليّتها عن الذي يجري في بلاد العرب والمسلمين، وتعطي لذلك الإعلان عناوين كثيرة، تخلط الدين بالسياسة، والمذهب بالقومية، وطموحات المشروع الخاص بهموم التحديات العامة.

نجح محمد بن سلمان في تبسيط المعقّد. وعَرَض بسلاسة ومنطق طبيعة «المشكلة» مع إيران، من دون أن يترك مجالاً لأي إبهام: زمن الازدواجية إنتهى واندثر. والمسؤولية تقع على المبادر وليس على المدافع. والسعودية، على مدى تاريخها الحديث وصولاً الى الأمس القريب، وخصوصاً في اليمن وإطلاق «عاصفة الحزم» ضدّ انقلاب بني حوث والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، كانت في موقع الدفاع وليس الهجوم.. تتلقّف بصبر الأداء الإيراني المزدوج والمتناقض. وتتعامل مع شأن الدولة معاملة الدولة. وشأن «تصدير الثورة» الذي أخذ شكل الإرهاب ضد دول الخليج العربي تحديداً، بما يتناسق مع مقومات لجمه وإجهاضه وضرب أدواته ومراميه.

وتلك سياسة تسجّل لحساب السعودية وليس عليها أو ضدّها. بحيث أنّها لم تترك شيئاً إلا وجرّبته من أجل إصلاح الوضع مع الجار الإيراني الجموح. ومحاولة البناء على المشتركات بدل النقر والحفر في المقسّمات. وفي البال والبيان والسر والجهر، أنّ روابط الدين والدنيا أكبر وأهم من عوارض السياسة واختلاف الاجتهاد. وإن المصالح المشتركة وحقائق الجغرافيا ترفد تلك الروابط وتدعمها.. وليس من باب الحصافة على الإطلاق، أن تنطلق العولمة على مداها في كلّ مكان فوق هذه الأرض، وتنطلق الفتنة على مداها في منطقة العرب والمسلمين وبين شعوبهم وأقوامهم.

الإستراتيجية السعودية بهذا المعنى، لم تكن خاصة بإيران وإنما بمجمل السياسة الخارجية للمملكة.. في حين أنّ الاستراتيجية الإيرانية ليست خاصّة سوى «بأهل الأمة» وبالجيران. و«بالأقوام العربية والمسلمة القريبة»! حتى وإن كان النصّ الدستوري والتعبوي والدعوي، يشتمل على عالميّة مبتغاة، لكن دونها سدرة المنتهى!

يستطيع المسؤول السعودي إنطلاقاً من ذلك، أن يقول إنّ بلاده، وكل دولة عربية مستهدفة بالطروحات الجموحات لإيران، لم تتدخل في شأن إيران الداخلي! ولم تسعَ بين أقوامها، ولم تحاول البناء على تنوّعها العرقي والمذهبي، ولا على أزماتها الاجتماعية أو الاقتصادية أو السلطويّة. ولم تذهب مرّة، الى أي إدعاءات كبيرة أو صغيرة، لا من أجل نفوذ ما ولا من أجل أي شعار سياسي أو ديني أو قومي.. في حين أنّ إيران فعلت ذلك كله وأكثر. وظواهر «مشروعها» حرائق واصلة الى عنان السماء، وقودها شعوب وكيانات توحّد الله وتنطق بالشهادتين!!

ما قاله الأمير محمد بن سلمان هو أنّ التفرّج على ذلك الأداء الإيراني لم يعد وارداً. لكن المنطق بقي دفاعياً وليس هجومياً. وذلك ما يفترض أن تأخذه طهران في حساباتها، علّها تُعيد النظر فيها! والله أعلم.