IMLebanon

في بديهيات مدرسية

 

تؤكد العملية العسكرية التركية في عفرين، بعض البديهيات المتّصلة بالنكبة السورية وتثبِّتها بالعشرة.. وأول ذلك وأساسه أنّ الرئيس السابق بشّار الأسد يستطيع أن يبلّ تهديداته وتخرّصاته وتنظيراته «السيادية» ويشرب زومها.

 

ثمّ أن يتعوّد على حقيقة أنّ النقّ أمام رعاته الروس من جهة والإيرانيين من جهة ثانية، لم يعد يُجديه نفعاً وشيئاً طالما أنّ هؤلاء يضعون، مصالحهم العليا والسفلى في رأس جدول أعمالهم.. وهذه كانت ولا تزال وتبقى، أهم وأولى من أي شيء آخر، بما في ذلك أوهام تابعهم الدمشقي!

 

وذلك درس بديهي في العلاقات بين الدول، لم يحفظه «الدكتور» المدّعى! وآثر ويُؤثر الاستمرار في الادّعاء بأنّه لا يزال صاحب سلطة وقرار ورأي.. وإنّ هذه في مجملها تمكّنه من تحديد السياسات الكبرى لرعاته في سوريا! ورسم حدودها وسقوفها بما يتلاءم مع أهوائه بعد أن أخذته هذه بعيداً، وأنزلته من «رئيس» إلى تابع. وحوّلت سوريا إلى «بازار» حسب وصف الإيرانيين، وحقل تدريب ورماية حسب وصف الروس! ونكبت أهلها أيّما نكبة!

 

حكمت البراغماتية الموصولة بحبل الوريد مع المصالح الناشفة لساكن الكرملين، بالموافقة على خطة «غصن الزيتون» التركية. مثلما حكمَت (بالمناسبة) شَبْكَ علاقات غير مسبوقة مع إسرائيل، بانتظار معرفة «الخطة» التي حملها معه بنيامين نتنياهو إلى موسكو قبل أيام، وما إذا كانت تتضمن شيئاً ميدانياً إضافياً (أي أكثر من القصف الجوي المعتاد!) في سياق الاستراتيجية المُعلنة بالتصدّي لـِ«نفوذ» إيران في سوريا، وأدواتها ومصانعها وصواريخها وتوابعها!

 

ولا يحتاج التحليل إلى كثرة التعليل للافتراض، بأنّ فلاديمير بوتين ابتعد عن مخالفة ما حمله معه نتنياهو طالما أنّ ذلك «سيراعي» مصالح الطرفَين. ويثبّت علاقاتهما الثنائية الحميمة (والعائلية!) وطالما أنّ الأعوام الثلاثة الماضية قدّمت أدلّة كافية (تقارب نحو المئة وعشرين غارة!) على متانتها وصخريّتها وفولاذيّتها!

 

أي مثلما تجاهل بوتين، الأسد وتخرّصاته الإعلامية هو وماكينته، في الشمال السوري، يمكن الزعم بأنّه يتجاهل الإيرانيين وهيَجانهم في الجهات السورية الأخرى (وربما اللبنانية أيضاً!) المتّصلة بـ«الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي»! بما يعني تكسير وتهتّك خيار مواصلة الحرب «حتى استعادة كل شبر من الإرهابيين» على ما لهجت وتلهج به أناشيد «الانتصار» الإيراني – الأسدي!

 

ما قاله الأتراك هو أنّهم سيقيمون بالقوّة ملاذاً آمناً في محاذاة حدودهم الشمالية، بما في ذلك، على ما أذيع يوم أمس تحديداً غداة اتصال هاتفي بين بوتين ورجب طيب أردوغان، تثبيت الوضع القائم في أدلب باعتبارها واحدة من مناطق خفض التوتر والتصعيد.

 

.. وما يقوله ذلك في خلاصته، أنّ الفاشل الذي لم يعرف كيفية المحافظة على حكمه وبلده وأهله، ليس مؤهلاً لإعطاء دروس سيادية لغيره، وخصوصاً للذين يحترمون «مصالح بلادهم» ويضعونها فوق وقبل وبعد مصالحهم الذاتية والفئوية والمريضة!