يأخذ على خاطره قائد «حزب الله» كلّما انتبه أحدهم إلى معادلة «لكل فعل ردّة فعل»، وقرّر أن يعمل بها في وجهه، تبعاً لمقتضيات العدالة وشروطها وضروراتها.
وينزعج تماماً، بعد ذلك إذا اكتشف مجدداً، أن ادّعاءات القوة والتمكّن، لا تكفي في ذاتها لاقتدار مدّعيها وتمكّنه! ولا تصلح واقعياً وعملياً ومنطقياً لإجبار الآخرين على الانكفاء أو الصمت أو التراخي أو التطنيش. ولا لدفعهم إلى التسليم والإذعان فيما الخطب جلل. والوطيس في ذروة حماوته. والنار في قمة سعيرها، وقد أخذت معها في ما أخذت، من أرواح وخيرات وثروات وقيم ومكارم أخلاق، كل سعي السعاة المستهدَفين والمُعتدى عليهم، إلى إطفائها ولجْمِها! وإيثار المشتركات على المقسّمات. والجامعات على المشرذمات. والأصول على الهوامش. والمتون على الفروع.. ثم محاولة تغليب منطق المصالح المتبادلة على الغرائز المستنفرة، والجغرافيا السياسية الراهنة على التاريخ الفتنوي السحيق!
لم يتوقف الحزب الحديدي في سعيه من ضمن المشروع الإيراني بين العرب وأقوامهم ودولهم وشعوبهم واستقرارهم، عند احتمال وقوف الضحايا على أقدامها! ولا عند إمكانية نضوج رد فعل موازٍ، إن لم يكن أشرس وأعنف، على فعله الاعتدائي، وتوغّله في أنوية مذهبية سافرة وحادّة في سفورها ووضوح مراميها وانكشاف عدم توقفها عند أي حدّ أو سدّ، أياً يكن عنوانه أو مضمونه!
.. ثم عندما اصطدم بحائط الصدّ وتفاجأ بمتانته قرّر شيئاً عجيباً: لا يحقّ لبناة ذلك الحائط أن يدرّعوه إلى هذا الحد! ولا أن يقرّروا متى الكيل طفح! ولا أن يجاهروا بحقّهم المقدّس، المنصوص عنه في كل شرعة منزّلة أو وضعية، في الدفاع عن أنفسهم. وردّ الأذى والعدوان عنهم. ومقارعة البأس بالبأس. والافتراء بالحقيقة. والتجنّي باللجم الذي يوقفه عند حدّه، ودون جناه المُرتجى!
أشهَرَ مشروع إيران العداوة ويشهرها. ويعطي (أو يحاول) إعطاء عناوين سياسية لها تغطي مضمونها القومي والمذهبي. ولا، يعوّف في سبيل ذلك حتى الزهو الذي يكسر تلك المحاولة بأيدي أصحابها: يقول على ألسنة قادته وأصحابه في طهران نفسها، أنّه امتدّ! وحقّق! وأنجز! وأنّ أمنه «القومي» تحصّن بحزام النيران المشتعلة في الجوار! وأنّ ترميد ذلك الجوار شرط لازم لدوام الحزام! وتدمير بنيان أهله واستقرارهم وثرواتهم والمسّ بقيمهم وإرثهم ومقدّساتهم، ليس سوى تركيز لمداميك «الثورة» وجمهوريتها! وإن ذلك من طبائع الأمور في عُرف أولياء تلك «الثورة»! وقادة تلك الجمهورية! ومن مقتضيات الطموح المقونن والمدستَر، لتصدير قيم الأولى وتوسيع مَدَيات الثانية!
في الأصل والأساس، هناك معتدٍ ومُعتدى عليه. وهاجِم ومُدافع. وصاحب مشروع عدائي وضحايا لذلك المشروع. وإن لم تكن هذه الحقيقة المبدئية كافية لإنضاح الفصل بين الحقّ والجور، فإنّ ترجماتها الميدانية تُكمل العدّة وتقفل النقاش. وجذر المعضلة عند إيران و«حزب الله» هو الدأب الذي لا يرعوي، من أجل تحطيم تلك الحقيقة والإكثار من الغبار لتعمية تفاصيلها وعموميّاتها: ليست السّعودية مَن دمّر سوريا ونكّب شعبها، إنما بشّار الأسد وعصبته الفئوية المريضة، وداعموه في إيران وملحقاتها! وليست السّعودية مَن دمّر العراق إنما سياسات أمثال الأسد وعصبته وحزبه في القطر العراقي! وليست السّعودية مَن دمّر اليمن إنما أتباع إيران من بني حوث إلى المخلوع علي عبدالله صالح! وليست السّعودية مَن حاولت الفتك بدولة البحرين واستقرارها إنما غلوّ البعض فيها والتزامهم أجندة إيرانية بالتمام والكمال! وليست السّعودية مَن استهدفَت لبنان ودمّرته مرّات ومرّات إنما كانت أول مَن مَسَحَ آثار ذلك الدمار المتتالي! وليست السّعودية مَن تُقاتل «في» إيران إنما العكس صحيح في طول أرض «أمّة» العرب والمسلمين وعرضها!
في الفتك بالبديهيات، فتكٌ بالحِكَم الخالدة، وفي قمّتها أنّ «مَن صارع الحق صرَعه»!