Site icon IMLebanon

في بعض البؤس..

 

لا يُلام صاحب السعي الطيب على النتائج الخبيثة. مثلما لا يُلام معتنق عقيدة التسوية الخالدة إذا كانت هذه الدنيا مليئة بالأنويات السلبية والمشاريع المبنية على استنفار الغرائز في أحطّ مراقبها واعتماد التوتير نهجاً للتمكّن تحت لافتة “التمسكن”!

ولا يُلام الضحية على أفعال المرتكب، وفي الشأن السياسي الوطني العام تحديداً وخصوصاً… قد يُلام على نقاوته في الشأن الخاص ذي الصلة بالعلاقات البشرية وبـ”إرتكاب” الطيبة في غير موضعها! والشطط في قياس معادن بعض الرجال! وافتراض الخير في غير موضعه! لكن حُكم التقصير هذا لا يسري في مواضع السعي الى تنكّب مسؤولية عمومية كبرى تتعلّق بمصائر الناس وحاجاتهم ودولتهم ومؤسساتهم واجتماعهم وتطلّعهم إلى شيء من السوية الطبيعية، حياة وتنمية وخدمات بديهية!

لفرضية النقد الذاتي حدود تقف تماماً عند المعنى الظاهر والباطن فيها، بحيث أن هذا الطقس مشروط بأداء ذاتي تام يتبيّن أنه خاطئ، وليس بمعطيات “موضوعية” جعلته يصل إلى ذلك الخطأ.. والفارق حاسم هنا بين هذا “النقد”.. و”الجلد”! التسوية التي ينقلب عليها أحد طرفيها (أو أطرافها) تستدعي الحسرة والأسف والغمّ والهمّ ربّما، لكنها لا تعني حُكماً، أن المحاولة في أساسها كانت خياراً خاطئاً! أو أن الذي بقي ملتزماً بها “نصّاً وروحاً” ارتكب إثماً أو خطيئة! أو فعلا طائشاً!

توزيع المسؤوليات بالعدل والقسطاس يستدعي تبرئة فاعل الخير وإدانة الآخر وليس العكس! و”جلد الذات” في هذا المقام يصير عبثاً لا معنى له ولا يُوصل إلى مكان.. التعقّل ليس مذمّة. والتصرّف كرجل دولة ليس نقيصة تستدعي التغيير والمحاسبة! وأخذ المصلحة العامة في الاعتبار الأول والأساس ليس نَزَقاً يستدعي اللجم! والاستعجال في الاستنتاجات المعاكسة يضمر شرّاً حتى لو كان المستعجل صاحب نيّة حسنة! مثلما يُضمر ويُظهر عند صاحب النيّة السيّئة، هواية المزايدة فكرياً وسياسياً، أو إساءة تقدير وتحليل وقصور عن الرؤية حتى لو كان البصر قوياً ونفّاذاً!!

على أن ذلك كله لا يستدعي الخفر: مخاطر التهتّك الذي بلغته أحوال “الدولة” في لبنان تعسّ في كل مقام وركن وزاوية ودائرة ومؤسسة. وهذا الندب ليس مفتعلاً ولا وليد ترف فكري بقدر ما هو وليد واقع قائم مفتوح على الأسوأ ويشتمل على جلّ مقوّمات الارتداد إلى أزمان أكثر بؤساً من التي مرّت سابقاً.. والمجادلة المستندة إلى استحضار الحرب للدلالة على أنها ذروة البؤس لا تكفي للتخفيف من وطأة الانحطاط الراهن. خطورة اللحظة متأتية تماماً من كون الزمن زمن سلم أهلي وليس زمناً حربياً وقتالياً! ومن كون بعض الأداء “الرسمي” الراهن يحور ويدور تحت سقف نوازع إنقسامية كان الظنّ السعيد، أنها هدأت بفعل الدستور و”التسوية” فإذ بها تشتعل مجدداً وبنزق لا يليق بأصحابه قبل غيرهم بل لا يليق بأحد ولا بأي بلد!