IMLebanon

في بعض الحياء..

 

عادة مألوفة في مدوّنة سلوك جماعة المحور الإيراني، أن ترمي غيرها بما فيها. وأن تتّهم ضحيّتها بالمسؤولية عن كونها ضحيّة! ثم أن تستعير من القاضي عدّته، وتصدر الأحكام على كيفها، وتلعب دور البريء المُجنى عليه والمُفترى على براءته.

والمألوف في تلك العادة هو الشراسة في ممارستها وعدم إظهار أي تردّد أو خفر أو خجل في ذلك حتى لو أدى بعض القول والفعل الى إظهار شيء من التناقض الفاضح في ذلك السلوك، برمّته.. كأن يقول رئيس إيران الشيخ حسن روحاني مثلاً أنّ السعودية «تتدخّل» في اليمن والعراق وسوريا وأنّ إطلاق الصاروخ الباليستي الأخير على الرياض جاء «رداً على العدوان» على اليمن! ثمّ أن تُردّد في نواحينا، كتلة «حزب الله» النيابية ذلك الصدى ذاته وتدعو «النظام السعودي» الى «أن ينأى بأزماته عن لبنان ويوقف عدوانه على دول المنطقة وشعوبها»!.. هكذا بالجملة!

وفي ذلك شراسة لا سقف لها. وإمعان في احتقار الحقيقة وأهلها. واستخفاف لا يليق بالخطب الجلل، ولا بالبلاء الضارب أطنابه في كل إتجاه!.. وكأنّ رئيس إيران لا يعيش في إيران! ولم يأخذ علماً بأدبيّات «قادة» بلاده من أعلى الهرم الى أوسطه! ولا بتصريحات جنرالات «الحرس الثوري» ولا بسعيهم «الاستشاري» في دول المنطقة من أولها الى آخرها. ولا يعرف (مثلاً!) أنّ دستور الجمهورية التي يرأسها ينصّ بالحرف على واجب «دعم» الشعوب «المستضعفة» و«تثويرها» و«تنويرها»! وإنّ البعض عنده عدّل منذ زمن خريطة بلاده وأوصلها الى أفغانستان شرقاً وشواطئ المتوسط غرباً! وبعض آخر عاد الى أعماق التاريخ ووصل الى «ساسان» وقرّر أنّ «الامبراطورية» عادت من غيبتها الكبرى! وإنّ «النفوذ» الإيراني صار حاسماً ولم يعد باستطاعة أحد تقرير أي شيء من دونه، لا في الخليج العربي ولا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان ولا في عموم المنطقة! وإنّ إيران «نجحت» في تزنير ريادتها واستقرارها بحزام ناري يمتد على عمق ألفي كيلومتر من نقطة المركز فيها! وإنّ التشاوف بـ«السيطرة» على أربع عواصم عربية صار هواية داخلية في طهران وموضع مزايدة بين مسؤوليها! وإنّ منهم مَن لم يتردّد في طرح معادلة تقول بأنّ على مَن يريد ضمان الأمن في دول الخليج «التحدّث» مع طهران! وغير ذلك الكثير من الكلام الذي يدين أصحابه من أفواههم! قبل أن تقول الوقائع النارية والدموية التي يراها كل العالم، بتلك الإدانة!

ومع ذلك، يقول رئيس إيران أنّ السعودية هي التي «تتدخل»! و«تعتدي»! وتستحق القصف بالصواريخ! ثم لا يتردد في طرح سؤال «بريء» عن سبب «استبدالها» العداء لإسرائيل بالعداء لإيران! وكأنّه مرة أخرى، لا يعيش في هذه الدنيا! ولا يعرف مَن استبدل شعار «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل» بآخر يطال السعودية! ولم يطّلع على الشعارات التي كانت تُردّد في مهرجانات «حزب الله» في لبنان! أو كأنّه لا يعرف تحت أي سقف قاتَلَ ويُقاتل أتباع إيران في سوريا والعراق! وليس عنده علم بغرفة العمليات الروسية المربوطة بنظيراتها في إسرائيل! والمنسِّقة معها مسبقاً كل طلعة طيران في سماء سوريا وكل غارة جوّية في سياق المعارك التي خيضت ضد الشعب السوري!

وعلى المنوال ذاته يغزل أتباع إيران في لبنان أثوابهم التوجيهية والتعبوية! ولا يتردّدون في التحريف الفضّاح لوقائع لا تُجادَل. وكأنّ السعودية هي التي بادرتهم في ديارهم ولم يفعلوا هم ذلك! أو كأنّها هي المتّهمة بالتسبّب في أزمات لبنان وفي إنتاج نُظم عسكرية موازية لجيشه! وفي تعطيل مؤسساته! وفي ضرب علاقاته بمحيطه وأهله العرب! وفي توريطه بالدم السوري! والمحنة العراقية! والكارثة اليمنية! والتخريب في البحرين والكويت وغيرهما! أو كأنّها هي المتّهمة بتدبير البلايا التي عايشها اللبنانيون منذ العام 2015 الى الأمس القريب! أو كأنّها في الاجمال هي المدّعية بصلف أن «نفوذها» هو صنو الحطام في جوارها العربي والإسلامي! وإن شرط محوريّتها وقطبيّتها هو تحطيم ذلك الجوار حرفيّاً!

.. بعض الحياء في البلاء وإشهار العداء، إذا أمكن. ليس أكثر!