كانت نكبة سوريا أحد عنوانين كبيرين لسياسة باراك أوباما الخارجية. «الاتفاق النووي» مع إيران كان العنوان الثاني. والأمران مترابطان ومتوازيان: ساكن البيت الأبيض سكت عن واحدة من أكبر الفظاعات في التاريخ الحديث، من أجل أن يُبقي المفاوض الإيراني هادئاً ومستقراً و«مطمئناً» إلى أنه سيعطي بيد ويأخذ بالأخرى!
قبل سوريا ونكبتها، كان العراق جزءاً من منظومة الاحتواء الإيجابي التي اعتمدها مستر أوباما! راح البلد المحوري العربي الخطير المتعدد الثروات والإمكانات فرق عملة في جيبة الجامح والطامح الإيراني. ودخلت أقوام العراقيين في سرداب دموي، ابوابه حديثة ومحتواه يمتد في عمق التاريخ لأن صاحب القرار في طهران لم يجد عنواناً مربحاً أكثر من نكش ذلك التاريخ وإعادة تظهيره راهناً.. لكنه استعاض بالمذهبية عن القومية وجعل الأولى في خدمة الثانية.. وليس في العراق وحده.
وبعد العراق وفي موازاة نكبة سوريا، انفجر اليمن تحت وطأة انقلاب الجماعة الحوثية. وهذه مُساقة ومدعومة بالمال والسلاح والتعبئة (المذهبية المستجدة!) من قِبَل إيران ولا تزال. وقبل الدول الثلاث، كان لبنان ولا يزال في قمة استثمارات صاحب القرار الإيراني! وموضع افتخاره! ودرّة التاج في مشروعه الذي لا يعرف سوى رب العالمين الحكمة من ورائه!
على هامش هذا الخط المباشر والواضح.. كانت هناك «محاولات» إيرانية مبهمة وبالواسطة للمسّ بعدد من دول الخليج العربي. ولو لم تكن هذه قادرة ومقتدرة وكافية ناسها ومكتفية، وصاحبة أداء عاقل ولا تعوزه مقومات العدالة وشروط الحكم الرشيد، كما حجّة التنمية الاستثنائية والمرئية، لكانت أضواء «التنوير الثوري» الإيراني قد شعشعت في نواحيها وأنتجت خراباً شبيهاً بذلك الذي في اليمن أو في العراق أو في سوريا.
.. ولكان جنرالات «الحرس الثوري» تسابقوا في الإعلان عن التعديلات التي طرأت على خريطة إيران بعد ضم الخليج العربي إليها! وبعد أن قالوا فعلياً إن تلك الحدود صارت في جنوب لبنان! وأن أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت صارت جزءاً من امبراطورية «الولي الفقيه».. وأن ساسان عاد! وأن رستم يستطيع أن يرتاح في مرقده! وأن خلل القادسية قد صُحّح أخيراً!
في أكلاف هذا المشروع أرقام فلكية، على المستوى البشري كما على المستوى المادي، ومحن عصيّة على الحصر والتوصيف، ونكبات تُخجِل سوابقها في التاريخ، في المنطقة والعالم برمّته. وخلاصات تقول إن إسرائيل كانت القضية الوحيدة في المنطقة العربية والإسلامية، فصارت هذه على الرف وخرجت من أجندة الأولويات لتحل محلّها وتنافسها وتأخذ مكانها نكبات السوريين والعراقيين واليمنيين، كبنات شرعيات لأم ولاّدة اسمها «الفتنة المذهبية»، وهذه، وإن اعتدل ميزان الحق والعدل، ليست سوى الرديف التام للمشروع الإيراني!
.. ثم بعد ذلك بقليل، يا عزيزي وقرّة عيني، خرج من طهران قول كبير ومن قمة الهرم مفاده الحرفي.. «الرجل الذي انتخب رئيساً لأميركا قال في حملته الانتخابية: لو أن الأموال التي أنفقناها في حروبنا في السنوات الماضية، سخّرناها لحلحلة المشاكل الداخلية في أميركا، لتمكنّا من إعادة بناء بلدنا. واسأل المطبّلين لأميركا بعدما انبهروا بها: هل تعرفون معنى كلام الرئيس الأميركي الجديد؟».
يستطيع مكلوم سوري شارد في هذه الدنيا، أو منكوب عراقي تكسّرت النصال على النصال في بنيته، أو فقير يمني ما كانت تنقصه نوائب الانقلاب كي يكتمل بلاؤه، أو لبناني ملتاع ومهموم لا يعرف لماذا يذهب ابن بلده ليموت في سوريا مع أن إسرائيل عند الباب.. يستطيع أي واحد من هؤلاء أن يقول الكلام الإيراني نفسه عن الرئيس الأميركي الجديد، لكن بعد أن يستبدل التوصيف المقصود والهوية المقصودة! أي أن يضع طهران في مكان واشنطن، وصاحب القرار فيها في محل ترامب!
.. ولن يخيب قولاً وإن خاب الرجاء!