IMLebanon

في فائض الفراغ

مرّة تلو مرّة، وكلما ضرب النكد ضربة جديدة في الجمهورية وأهلها، تبرز جريمة الفراغ في موقع الرئاسة الأولى في بُعدها المزدوج: أولاً بسبب خطف جماعة الممانعة النصاب القانوني المطلوب نيابياً لجلسة انتخاب الرئيس، وجعل المنصب في ذاته رهينة حسابات إيران وملحقاتها الاقليمية (وهذه حقيقة لا تنكرها حتى إيران!) وثانياً، لرفض تلك الجماعة خيار التمديد للرئيس ميشال سليمان، حتى لو كان هو أوّل الرافضين.

سيمرّ وقت قبل أن يقتنع الجميع بفداحة الخطأ الذي أخذ هؤلاء الممانعين إلى موقع مضادّ للتمديد للرئيس سليمان، وللنهج التسووي الدستوري الحصيف والنظيف الذي اتّبعه طوال سنوات عهده، والذي صار اليوم (مع اختلاف التفاصيل) هو العنوان العريض لبيان محاججي النائب ميشال عون، من الحلفاء وليس الخصوم!

ما ينطبق على الرئيس تمام سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي، ينطبق أساساً على الرئيس سليمان.. لكن الذين يقولون اليوم إنّ الحكومة السلامية «مصلحة عامة وجامِعة» ويرفضون التفريط في العماد قهوجي قبل انتهاء ولايته وقبل الاتفاق على خَلَفِه، هم أنفسهم الذين اعتمدوا الكيد، على الطريقة العونية، ضدّ الرئيس سليمان وفضّلوا الفراغ في أهم موقع رئاسي، على بقائه في منصبه بانتظار التوافق على رئيس جديد!

ميشال سليمان رجل الدولة. المسؤول والمؤسّساتي وابن الممارسة الشهابية الأثيرة التي جعلت الكتاب الدستور سيف الفصل بين الصحّ والخطأ سياسياً ووطنياً. وبين الخير العام والمصالح الخاصّة. والدولة ونقيضها. والقانون والشارع. والقرار الوطني والاستتباع لإرادة غير وطنية.. كان أفضل بديل متوفّر من كارثة الفراغ الرئاسي وعن كل تأثيراتها السلبية وتداعياتها التي وصلت الآن، حتى إلى إحراج أهل الفراغ بالأداء العوني!

ميشال سليمان دفع ثمن كونه عامل جمع وليس قسمة. وموقفه بالأمس ممّا حصل في السرايا وحولها يؤكّد ذلك مثلما يؤكّد مستواه وطبيعته.. ويضاعف الشعور بالمرارة من خسارة دوره كرئيس مميّز لكل اللبنانيين.. وكحارس أمين لحقوق المسيحيين باعتبار أنّهم لبنانيون. ولدورهم باعتبار أنّهم نصف اللبنانيين. ولريادتهم باعتبار أنّهم صمّام أمان بقاء الجمهورية. ولانفتاحهم باعتبار أنّهم روّاد إبداع في هذا الشرق. ولوجودهم في ذاته باعتبار أنّهم سبب التنوّع ونقيض الأحادية، والدلالة الأبرز على نقاوة رسالة الخالق بتنوّع خلقه، وفرادة لبنان في هذا التنوّع.

الرئيس العماد ميشال سليمان، لم يكن ولن يكون أوّل فرصة يضيّعها الكيد السياسي الإيراني الأسدي على لبنان، لكنه بالتأكيد واحد من أهم وأندر تلك الفرص.