Site icon IMLebanon

في البؤس السوري

 

يغوص السوريون في بؤسهم على الجانبين: رئيس سابق لم يعد له سوى دور الواجهة المدّعاة «شرعية» للإيرانيين والروس، يتعرّض على الهواء مباشرة لإذلال مرتّب ومُحضَّر ومدروس من قِبَل مُنْقِذه من الهلاك فلاديمير بوتين. ومعارضة تدخل في مفاوضات مفترضة للوصول إلى «حل سياسي» لكنها تصطدم بأن الراعي الدولي ستيفان دي ميستورا يُحدّد لها سقف مطالبها سلفاً ويدعوها إلى البقاء تحته وكأنها مدعوّة إلى استسلام وليس تسوية!

 

ضيّع بشار الأسد سوريا وضمن ديمومة ذلك الضياع. وهو الوحيد من «صنفه» في التاريخ الذي أذلّ بلاده ونكب أهلها بحجّة بقائه «رئيساً» عليهم وغصباً عنهم، لكنه رضِيَ ويرضى، صاغراً متهافتاً أن يبدو أمام قوّة أجنبية، مجرّد حالة هوائية، لا طعم لها ولا وزن ولا سلطان ولا قرار ولا هيبة.. حتى في الشكل!

 

ما جرى في «قاعدة حميميم» لم يكن عفوياً.. ورؤساء الدول مثل بوتين، يحسبون خطواتهم وتصرّفاتهم العلنية مسبقاً وبدقّة! ويتركون في معظم الحالات، نافذة للمفاجآت ويضعون السيناريو الواجب لتداركها أو التعامل معها، أكانت هذه أمنية الطابع، أو بروتوكولية، أو مجرّد زلّة قدم أو هبّة ريح قوية لم تلحظها الأرصاد الجوية!!

 

وبالتالي، فإن لجم الضابط الروسي لرئيس سوريا السابق عن السير في محاذاة بوتين، كان متمّماً لعدم إعطاء بوتين ولو لفتة رأس «بحثاً» عن الأسد! وتنفيذاً لتعليمات رسمية مباشرة وواضحة! وكان المشهد سيصير أكثر إذلالاً لو تجرّأ الملجوم على تجاهل اللاجم! ولو ركب رأسه وصدّق أنه لا يزال «رئيساً» وأن هذه «بلاده»! وأن «الضيف الزائر» هو «ضيفه»!

 

مَنْعه من السير في محاذاة بوتين يعني أن هذا الأخير لا يعتبره صنوه «بروتوكولياً»! وعملياً وواقعياً. بل تابِع يدين له بالبقاء! والتابِع على هذا المستوى، عليه أن يتصرّف تماماً كتابِع و«ينسى» أوهامه وادّعاءاته وتخرّصات إعلامه! والأمر يعني في المضمون ما هو أكثر ذلاًّ من الشكل: يُنسب إلى هتلر قوله إن «أحقر» مَن التقى بهم، هم الذين ساعدوه على احتلال بلادهم! وبغضّ النظر عن دقّة هذه المعلومة، فإن واقعة «قاعدة حميميم» تؤكد مقصدها بالتمام والكمال! حتى وإن جاء الروس تحت ظلال «الحرب على الإرهاب» واعتبروا أنهم «انتصروا» ومنعوا سقوط سوريا تحت أقدام «الظلاميين»!

 

يعرف بوتين ما هو أكثر من ذلك بكثير.. وفي أول هذه المعرفة، أن هذا المخلوق الذي يدّعي رئاسة سوريا والسوريين، دمّر سوريا والسوريين من أجل دوام سلطته ولا شيء آخر! وارتضى أن يستبيحها كل صاحب غرض ومرض بدلاً من أن «يتنازل» داخلياً، في بداية المطاف والنكبة، في بعض المواقع والحالات ولو شكلياً! وتصرّف حرفياً وفق الشعار القائل: «نحكمها أو ندمّرها». وقَبِلَ أن يتنازل للروس والإيرانيين وميليشياتهم المذهبية الآتية من آخر الدنيا، بدلاً من أن «يتنازل» أمام أهل درعا! أو أهل الغوطة! أو أهل حمص وحماه وغيرها من «حواضن الوطن»!

 

بديهي لشخص مثل بوتين، يبحث عن مجد بلاده وعزّها وكرامتها، ويتأسّى على ماضيها الامبراطوري التليد أن يرفض المساواة ولو الشكلية، مع مدّعٍ أذلّ «بلاده» ورمّدها ونكب «شعبه» وامتهن كرامته وأمجاده!

 

.. أمّا وفد المعارضة في جنيف، فإن مصيبته كانت بدأت مع بشار الأسد قبل أن تصل إلى دي ميستورا!