ليس هناك من شروط مسبقة للقاء أميركي – إيراني، على ما أعلن الرئيس دونالد ترامب، لكن هناك بالتأكيد رُزمة مطالب مُعلنة ومُشاعة وصارت معروفة في طهران وخارجها، وهي في الواقع جوهر الموقف في واشنطن منذ ذهاب السيّئ الذكر باراك أوباما إلى بيته!
منذ اللحظات الأولى لإعلان ترامب إلغاء العمل بالاتفاق النووي «الكارثي» و«السيّئ» حسب توصيفه، والبديل في أجندته جاهز. وهذا يعني «اتفاقاً جيداً» يطال الموضوع النووي جنباً إلى جنب مع سياسة إيران الخارجية المؤدّية إلى زعزعة الاستقرار والأمن الإقليميين والمُعتمدة على أدوات وأساليب وطرق غير نظامية ولا شرعية ومن خارج الأطر والأعراف والمواثيق المتّبعة في العلاقات الدولية.
لم يقل ترامب ولا مرّة إنّه لا يريد «اتفاقاً» مع إيران. لكنّه لم يقل مرّة واحدة إنّه يريد ما يُرضي طموحات وسياسات أصحاب الشأن والقرار فيها، ولا أجندتهم الفضفاضة والعجيبة مثلما فعل سلفه «المثقّف» والحائز على جائزة «نوبل»! ولم يقل مرّة إنّه يريد العمل على «إسقاط» النظام الإيراني لكنّه لم يوفر مناسبة أو لحظة من دون تذكير العالم بخصائل ذلك النظام! وممارساته التي أنتجت (في رأي ترامب وأقطاب إدارته) أزمات كارثية خارجية وأزمات تنموية داخلية وخطيرة على حدّ سواء!
ما يراه ترامب في الإجمال، حسب ما يُعلن ويكرّر الإعلان، أنّ المطلوب من إيران هو «تغيير سلوكها». وتحت هذا العنوان العريض يمرُّ توصيفها بأنها «الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم». وبأنها تمعن في التدخل في شؤون الآخرين وأمورهم السيادية، وأنها تهدر ثرواتها القومية لتمويل ذلك النهج على حساب الإيرانيين وحاجاتهم التنموية والمطلبية واستقرارهم المالي!
بل إن لائحة المطالب الإثني عشر التي أعلنها وزير الخارجية مايك بومبيو لم تترك ملفاً واحداً ذي صلة من دون التطرّق إليه: من شؤون النووي بتفاصيله، إلى التسليح الصاروخي إلى إطلاق «كل المحتجزين الأميركيين ومن الدول الحليفة»، إلى الكفّ عن التدخّل السلبي في العراق، إلى «الانسحاب» من سوريا، إلى وقف دعم المنظمات المُصنّفة إرهابية في اللوائح الأميركية بواسطة «فيلق القدس» تحديداً، إلى الكفّ عن تهديد دول الخليج العربي والملاحة البحرية الدولية.. إلى وقف الهجمات السيبرانية.
أي أنّ المفهوم الأميركي لـِ«الاتفاق الجيّد» المطلوب مع إيران بدلاً من ذلك المُلغى، يتناقض تماماً مع المفهوم الإيراني الذي ارتضى به أوباما.. والجسر الذي يمكنه وصل المفهومين يستند إلى أعمدة وأساسات تتحكم بها واشنطن وليس طهران.. وإذا كانت هذه ليست «شروطاً مسبقة» لأي لقاء محتمل في ألمانيا أو سلطنة عُمان أو غيرهما، فلا بأس! طالما أنّ المضمون أهم من الصياغة اللغوية، والهدف المطلوب أهم من الطريق إليه! والنتيجة المرجوّة تعني انقلاباً استراتيجي الأبعاد يلجم حقبة امتدّت على مدى أربعة عقود.
.. تحت سقف الحرب الناعمة يعرض ترامب موقفه. وكأنّه يفترض أنّ المعارك الابتدائية لتلك الحرب قد بدأت تُؤتي ثمارها حتى قبل أن تبدأ آلية العقوبات المُستعادة والمكثّفة عملها. سوى أنّ الشكل بالنسبة إلى الإيرانيين يوازي المضمون، وتدخل في هذا السياق، اللغة ومفرداتها. وبهذا المعنى يصير مصطلح «لا شروط مسبقة» بديلاً مقبولاً من دزّينة المطالب الإملائية التي أعلنها بومبيو! وكذا الحال بالنسبة إلى ماء الوجه المسفوك في سوريا على وقع غارات طيران العدو الإسرائيلي، بحيث أنّ اللغو بـ«انتصار» بشّار الأسد يكفي للتعويض عن ذلك التهتّك «المائي»! مثلما يكفي للتغطية على صيرورة مطلب “انسحاب” إيران من سوريا همّاً روسياً – أسديّاً مُشتركاً لا يلحظ قصّة “المحور الممانع”! ولا يقارب” تضحياتها” المالية والبشرية بما يوازيها من مكتسبات!
علي نون