لم يخطئ الظنّ من ظنّ في الأشهر الماضية، أنّ معركة الفرز والفصل بين المعارضة السورية والجماعات الإرهابية المندرجة في صفوفها، أو المدّعية الاندراج في أجندتها العامة وعنوانها الأبرز الخاص بالعداء للسلطة الأسدية ومؤازريها وداعميها، لن تقتصر حُكماً، على جانب دون آخر، أو على جهة محدّدة في وضعية متعدّدة الجوانب.
حَكَمَتْ دواعي الحرب على الإرهاب بتحالفات عابرة وغريبة. وجاءت التفاهمات الأميركية – الروسية المبنية أساساً على سياسة السيّئ الذكر باراك أوباما وحساباته المتّصلة بإيران، لتزيد من وطأة تلك الغرابة. ولتنتج وضعية محكومة بتناقض غير مفهوم: الجماعات المصنّفة إرهابية في لوائح الأميركيين (مثل «حزب الله» مثلاً) والمصنّفة إرهابية في لوائح الأتراك (مثل حزب العمال الكردستاني وإفرازاته المختلفة الاسم) كانت هي ذاتها، مع اختلاف الاصطفافات، جزءاً من تلك الحرب على الإرهاب في سوريا! وكانت الصورة العامة في العراق، أنّ الأميركيين والإيرانيين تلاقوا على العنوان ذاته برغم التاريخ المثقل بين الطرفَين والملفات المتراكمة فوق بعضها البعض تحت خانة الإرهاب! من أيام بيروت في ثمانينات القرن الماضي والتفجيرات الانتحارية وخطف الديبلوماسيين إلى «وقائع» 11 أيلول 2001 في أميركا نفسها. إلى ما بين التاريخَين والمكانَين، من حقائق يعرفها أصحابها جيداً! وخصوصاً في «المقاومتين» الأفغانية والعراقية زمن جورج بوش الابن!
أمكن المعطى الإرهابي، أن يكون هو ذاته واحداً في أمرين متناقضين تناقض التباعد والتقارب، والمواجهة والمسالمة: تحت عنوانه وعلى حساب السوريين والعراقيين، مشى أوباما مع الإيرانيين في رفقة طريق نحو التلاقي بعد الطلاق! لكن تحت العنوان ذاته، وفي سوريا (ولبنان) يمشي دونالد ترامب في طريق معاكس، ويعود إلى البدايات «الريغانية». حيث العداوة تامّة ولا تنقصها عدّة تعبويّة فوق بشرية: إيران جزء من «محور الشرّ» بالنسبة إلى واشنطن، والولايات المتحدة «هي الشيطان الأكبر» بالنسبة إلى طهران!.
على أن المستجدّ في هذه المبارزة، هو أنّ إيران نسيت لغة الشياطين و«تجاهد» للتمسك بلغة الملائكة! فيما إدارة ترامب تفعل العكس وتشحذ السكاكين وتُحضِر كل «الملفات» من الأرشيف وتضعها دفعة واحدة على الطاولة. من «الاتفاق النووي» إلى السياسة الخارجية وأدواتها و«حرسها الثوري»، وتوابعها وفي مقدّمهم «حزب الله» في لبنان! و«حزب الله» في سوريا! وأدوارها في الخليج العربي واليمن والمنطقة! وأدوارها (حتماً!) في سوريا!
الصوت الاعتراضي العالي الخارج من موسكو يدلّ على «جدّية» ما يجري. وعلى أنّ واشنطن (في رأي الروس) تحرق المراحل وتقضي على التدرّج، وتستعجل ما يجب أن يكون مؤجّلاً. أي إن التفاهم في الحرب على الإرهاب وإقامة المناطق الآمنة، حفظا «حقوق الجميع» في سوريا! ووزّعا قدر الممكن، أماكن النفوذ بما يتناسب مع أدوار كل طرف (خارجي طبعاً!) ومن ضمنهم إيران! لكن ما بَعدَ ذلك لم يكن على هذا القدر من الوضوح. بل يصحّ الافتراض أنّ موسكو راهنت على أنّ إدارة ترامب ستكمل الشوط الذي بدأه أوباما! والذي يعني في بعض معانيه، إنتاج «تسوية» سوريّة تكرّس في الواقع هزيمة المعارضة، و«انتصار» المحور الداعم لبقايا النظام! ثم الانطلاق من سوريا ذاتها لتجسير ما تبقى من «فواصل» بين واشنطن وطهران! وربما أبعد من ذلك، وصولاً إلى تل أبيب نفسها؟!
لم تقل أو تفعل الإدارة الأميركية شيئاً خارج سياق «الحرب على الإرهاب»، لكنّها في الواقع بدأت في نسف ركائز الحسابات الروسية، (والإيرانية استطراداً)، انطلاقاً من ذلك العنوان ذاته. أي من اعتبارها أنّ مفهوم أو توصيف الإرهاب لا يختلف باختلاف هُويّة منفّذيه! ولا يوجد إرهاب حميد وإرهاب خبيث!.. ثم الأهم من ذلك، لا يمكن الفصل بين إيران الدولة و«الاتفاق النووي» والعودة إلى «الأسرة الدولية»، وبين إيران «الثورة» «المزعزعة للاستقرار الإقليمي» والمصدّرة لنتاجات «الحرس الثوري»!
ما باشرته الإدارة الأميركية إزاء «حزب الله» في لبنان، هو جزء من تلك النظرة الشمولية التي تعتمدها وستعتمدها أكثر إزاء إيران!.. وسوريا ضمن هذه الخارطة حُكماً وحتماً حتى لو «ظنّ» الروس شيئاً آخر! وحتى لو أصرّ الإيرانيون على تغييب «الشياطين» واستحضار «الملائكة»! واستمر بشار الأسد في علك أوهامه «الانتصاريّة»!