مسارعة إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو استهداف مواقع ايرانية في دمشق ليل السبت، كان إيذاناً بتطور المواجهة بين إسرائيل وإيران في الجغرافيا السورية، ذلك أن إسرائيل طالما تفادت إعلان مسؤولياتها مع بدء الأزمة السورية عن عشرات الضربات الصاروخية التي قامت بها ضد مواقع ايرانية أو ميليشيات تابعة لها، ومنها مواقع لـ”حزب الله” أو قوافل أسلحة متجهة إلى لبنان.
وإشراف نتنياهو على الضربة الأخيرة في عقربا جنوب شرق دمشق والإعلان عن ذلك، يدفع نحو الاستنتاج أن ثمة تغييراً في قواعد الاشتباك، التي كانت متبعة في الاستراتيجية الاسرائيلية، التي انتقلت من المواجهة غير المعلنة إلى المعلنة مع إيران وعبر أعلى موقع في الحكومة الإسرائيلية.
ويرافق هذا التطور الجديد، العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف مقار عسكرية للحشد الشعبي في العراق، ولكن من دون تبنٍّ إسرائيليٍ لها، وإن أوحت بمسؤوليتها.
في هذه الأجواء، وبعد ساعات قليلة على استهداف دمشق، وسقوط عدد من القتلى، من بينهم عناصر من “حزب الله”، كان حدث الطائرة المسيّرة التي سقطت في الضاحية الجنوبية، والتي أكد السيد نصرالله، أنها كانت تقوم بعمل أمني تفجيري، وتم إسقاط الطائرة بالحجارة من قبل المواطنين، واعتبر أن ذلك سيؤدي إلى تغيير في قواعد الاشتباك، حين أكد أنه لن يسمح بتكرار هذا الاعتداء من دون رد، بل أكد أن “حزب الله” سيسقط أي طائرة مسيّرة تدخل الأجواء اللبنانية، من دون أن يحدد التوقيت.
غير أن أهم ما رشح من كلام نصرالله، هو أن “حزب الله” لن يرد من الأراضي السورية على أي عدوان إسرائيلي يستهدفه، بل سيرد من لبنان في حال قتلت إسرائيل أي عنصر من “حزب الله”، معلناً بوضوح أن الرد سيطال الأراضي الإسرائيلية وليس مزارع شبعا.
احتجاج نصرالله وتهديده، الذي برّره في سياق منع ما سمّاه سلوكاً إسرائيلياً خطيراً، لجهة اعتماد نمط الطائرات المسيّرة التفجيرية، كسلوك عادي وطبيعي كما هي الحال في العراق اليوم من قبل إسرائيل.
ليس خافياً في كلام نصرالله الذي لم يأت على ذكر ايران إلا في نفيه لاستهداف قواتها في سوريا، هو أن لبنان عملياً قد دخل فعلياً في المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية، وهو حين أعلن أنه سيرد على استهداف “حزب الله” في سوريا، من الأراضي اللبنانية، كان بذلك يلزم الدولة اللبنانية والشعب بموقف خطير، يتطلب أن يكون صادراً عن مجلس الدفاع الأعلى في الحد الأدنى.
فالأولى بمن يقاتل في سوريا دفاعاً عن نظام الأسد، أن يرد على أي عدوان عليه من قبل إسرائيل من الأراضي السورية وبدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لكن لبنان على ما يشير إليه كلام نصرالله بات أوهن من نظام الأسد، وليس فيه مسؤول في الدولة قادر على إلزامه باتباع شروط الدولة والنظام كما الحال في سوريا. لكن لم يلغ نصرالله دور الدولة اللبنانية تماماً، بل كلف السلطات المعنية بمخاطبة الأميركيين أن يمنعوا نتنياهو من إطلاق الطائرات المسيّرة باتجاه لبنان.
الذهاب نحو الحرب لم يعد مستبعداً، في حال التزم “حزب الله” بالردّ من لبنان على مقتل عناصر له في سوريا، وفي حال كان الردّ مؤذياً لاسرائيل، كأن يسقط قتلى لها، الأرجح أن تبادر إسرائيل إلى حرب تدرك رغم محاولة تفاديها، أن إيران أيضاً ليست في أحسن ظروفها لخوض حرب بالوكالة في جغرافيا سورية لبنانية لم تعد كما كانت في العام 2006. رفع نصرالله لهجة التهديد ينطوي على محاولة إبعاد شبح الحرب أو منعها كما قال أمس مذكّراً بما قاله في خطابه الأخير في بنت جبيل، أن قوة “حزب الله” هي لمنع الحرب الإسرائيلية على لبنان.