هل صدّق أحد في العالم أن المصريين يأكلون رزّاً بلاستيكياً؟ أو أن السيسي حين فشل في إقناع الناس بتحديد النسل وخفض معدل الإنجاب لجأ إلى خلط الدقيق بمسحوق يصيب الرجال بالعقم والنساء بتدمير الأرحام؟ أو أن الحكم في مصر اعتمد خطة لتدمير الآثار الإسلامية، وبدأ بخلع الأحجار من أرض شارع المعز التاريخي الشهير في قلب القاهرة واستبدلها بالأسفلت؟ أو أن منافذ البيع التابعة لوزارة التموين تخدع الناس وتبيع لهم بيضاً من المطاط؟ أو أن ست سفن عملاقة اصطدمت ببعضها البعض في قناة السويس وكأنها في مدينة للملاهي، وأن السيسي أمر بالتكتم على الخبر؟ أو أن تابوت الإسكندرية عثر في داخله على آثار مهمة لكن السيسي باعها إلى متحف اللوفر في أبو ظبي، وأمر خبراء وعلماء الآثار المصريين بحبك رواية ثم ترويجها، مفادها أن التابوت لم يكن يحوي شيئاً مهماً؟!
إنها مجرد نماذج من إشاعات روج لها «الإخوان» على مدى أسبوع واحد و «اشتغلت» الآلة الإعلامية للجماعة من أجل إقناع الناس بها، فجُهزت الاستوديوات وجيء بالضيوف وفُبركت التقارير المصورة وأضيأت المصابيح وبثت البرامج من أجل ترويج هذا «الهطل» وتسويقه، بينما جيّش أعضاء اللجان الإلكترونية الإخوانية أنفسهم تلبيةً لأوامر قادة التنظيم بإرباك المجتمع المصري وتشتيت الناس وتحريضهم ضد السيسي الذي استبدل الرز بالبلاستيك، والحجر بالأسفلت، وصفار البيض وبياضه بالمطاط!
تخيل أن تنظيماً تحركه تلك العقول يحظى بدعم من دول كقطر وتركيا وترعاه أجهزة استخبارات غربية، وتروج له وسائل إعلام يفترض أن لدى القائمين عليها الحد الأدنى من الفهم والإدراك والوعي!! لم يعد أحد يصدق «الإخوان» إلا أعضاء التنظيم وبعض النخب السياسية ممن ينظّرون ويفتون ويحللون أوضاع مصر من دون أن يدركوا حقيقة الأوضاع فيها، إضافة بالقطع إلى هؤلاء النشطاء الذين امتطتهم الجماعة وسيّرتهم لتحقيق أهدافها واستثمرت طموحاتهم التي فاقت قدراتهم، فانتهى أمرهم إلى الحال المزرية التي وصلوا إليها. يغضب «الإخوان» لأن الشعب المصري لا يستجيب لدعواتهم للتظاهر أو الاعتصام أو الاضطراب، وتزداد رغبة الجماعة في الانتقام من الشعب المصري ليس فقط لأن الشعب هو الذي ثار ضد حكم محمد مرسي وخلعه من المقعد الرئاسي، ولكن أيضاً لأن الناس صاروا يسخرون من كل إشاعة وكل كذبة، ويفضحون كل خبر «مضروب» تؤلفه الجماعة أو تفبركه. اللافت أن أسلوباً كهذا جرى فضحه ولم يعد ينطلي على الناس، ومع ذلك ما زال «الإخوان» ولجانهم الإلكترونية وقنواتهم التلفزيونية مُصرين على التمسك به وتكراره، وكأنه صار من أدبيات الجماعة ودستورها! صحيح أن تجربة «الإخوان» في المعارضة قبل الربيع العربي وفي حكم مصر لمدة سنة، بعد «هوجة» الثورات وفوضى الاضطرابات، أثبتت أنهم يفتقرون إلى الابتكار والتجديد والتطوير، ويعانون فقراً مدقعاً في الرؤى السليمة أو المرونة السياسية، لكن تركيزهم في السنوات الخمس الأخيرة على استخدام الكذب وسيلة لتغيير قناعات الناس، حوّل التنظيم من جماعة تسعى إلى الحكم إلى فرقة لإضحاك الناس وتسليتهم. هم يخوضون حرباً ضد الحكم والشعب في مصر، وبين آلياتها الإشاعات، لكنهم يمارسونها بأساليب مكشوفة ووسائل مفضوحة، وبالتالي فإنها ترتد إليهم تهكماً وسخرية، ما يؤكد أن الجماعة لم تفقد فقط القدرة على الحركة أو التأثير وإنما أيضاً التفكير ومعرفة ما يفيدها أو يضرها.
لا يعتد الحكم كثيراً بنشاط «الإخوان» في ذلك المجال، وكأنه ترك المهمة للشعب الذي ما أن يتلقى رسائل «الإخوان» الإعلامية والسياسية إلا وينتفض لدحضها وفضحها، خصوصاً في «ملعب» وسائل التواصل الاجتماعي الذي اعتقد «الإخوان» أنهم أمهر اللاعبين فيه. وكلما سعت الجماعة إلى تبنّي حملة إشاعات جديدة، أو التوجّه نحو إنجاز ما لتشويهه، أو استهداف شخص قال «كلمتين» طيبتين في حق الوطن، ينال التنظيم فشلاً ذريعاً بفعل عشرات المشاهد المصورة والوثائق والشهادات، التي تنشر في «الملعب» نفسه بواسطة مواطنين مصريين، ويفترض أن تجعل «الإخوان» يتوارون خجلاً لكنهم بالطبع لا يفعلون!
اشتغل «الإخوان» لفترة، في بداية حكم السيسي، على المشروعات الكبرى، واعتمدوا نظرية «الفنكوش»، على أساس أن كشف كذبهم يحتاج إلى وقت طويل حتى يرى الناس المشروعات وقد انتهت وصارت واقعاً أمامهم، لكنهم الآن صاروا أكثر عجلة من أمرهم، فيخططون ويرصدون الأموال ويجهزون آلتهم الإعلامية ويأخذون وضع الاستعداد، ثم يطلقون إشاعات تموت قبل أن ترى النور… المستوى صار هابطاً جداً!