كأن هناك شيئاً من الكباش الإيراني – السوري في قصّة تشكيل الحكومة عندنا، وتأثيره “أكبرٌ من المعطى المحلي الخاص بالأرقام والحقائب.. بل يمكن الزعم بأن المعطى الأول هو المولّد للثاني!
أي أن اختصار العقدة الكأداء والصعبة المتعلقة بأوزان وأدوار وأحجام ونفوذ “التيار الوطني الحر” من جهة، و”القوات اللبنانية” من جهة ثانية، فيه تردّدات لصدى أسدي أكثر منه إيراني! وكأن البعض عندنا “يدخل” على الموضوع من نافذة تماهي مصالحه وحساباته مع أهواء و”مصالح” وطموحات وحسابات وكيديات رئيس سوريا السابق بشار الأسد! يتعرّف في هذه المساحة بعيداً عن حليفه الدائم الذي هو “حزب الله”!
وفي هذه الحسبة يُلحظ أن “حزب الله” يريد حكومة وبسرعة تبعاً لأمرَين صارا معروفَين ومعلوكَين من كثرة التكرار. الأول هو أن إيران تعتمد سياسة خارجية احتوائية للهجوم السياسي والعقوباتي عليها من قبل الإدارة الأميركية، ولا تريد (أو لا تشعر بالقدرة على) الدخول في معارك تصعيدية متفرّقة تؤثر على الحرب التي تخوضها راهناً، وهذا يستدعي منها التواضع والتراخي في مساحات “نفوذها” المدّعى مثلما حصل في العراق أخيراً.. والثاني هو أن “الوضع اللبناني” في ذاته صار ضاغطاً سلبياً على “حزب الله” وكفّ عن أن يكون موضع استثمار على حساب الآخرين! أي كأن الحزب صار يدفع مباشرة أثمان سياسته وخياراته ومن كيسه الخاص وليس من كيس اللبنانيين ودولتهم. و”انتبه” أخيراً ومضطراً بحكم الواقع الإيراني المستجد، إلى أن أضرار تعطيل دورة المؤسسات الرسمية وأدوارها صارت أكبر من مواجهتها بالشعارات التعبوية من جهة وبالخدمات المباشرة المتصلة بالمال من جهة ثانية.. وأزمته في هذا السياق تجعله جزءاً من العالم اللبناني المحيط، بعد أن تنعّم طويلاً بخاصية قدرته على الفصل بين حاله وحال ذلك المحيط!
ومن هذا الباب يُمكن الدخول إلى مساحة الافتراق بين حسابات “حزب الله” وحاجاته، وبين تخرّصات وحسابات بشّار الأسد. وهذه فيها كيديات مريضة إزاء مناوئيه وأخصامه وأعدائه اللبنانيين، مثلما فيها افتراضات (وتمنيات) بأن “وجوده” في الحكومة الجديدة سيفيده في سعيه لاختراق الحصار الإقليمي والدولي من المنفذ اللبناني. وسيدعّم موقفه الداعي إلى العودة لفتح أبواب العلاقات الثنائية على وسعها وبـ”شروطه” إذا أمكن! مستفيداً من أبواقه وتابعيه وعمّاله المحليين على ضحالتهم وهامشيّة تأثريهم، ومن وجود قضيّتين حقيقيّتين يمكنه الابتزاز فيهما. الأولى هي قضية النازحين السوريين، والثانية “قضية” المعبر التجاري للصادرات اللبنانية إلى الخارج العربي!
وبغضّ النظر عن التفاصيل، فإن رئيس سوريا السابق ومن حيث “المبدأ” غير معني بأي استقرار لبناني، لا بالسياسة ولا بالاقتصاد ولا بالأمن! وهو جرّب فعلياً وعملياً وبرغم كثرة “انشغالاته” بالسوريين قتلاً وتنكيلاً وتهجيراً وتدميراً، أن يُشعل لبنان حرفياً بالفتنة والتخريب والتفجير علّ ذلك يخفّف الضغط عنه! ويُعالج مرض الفقد الذي ابتلى به بعد خروجه مدحوراً مذموماً منه!
وهذا الذي لا “يتمنى” أي خير للبنان، يجد في لبنان من يُدافع عنه! ويسعى في سعيه! ويمدّ اليد إليه.. فيما يفترض آخرون، أثقل وزناً وأكثر تأثيراً من تلك الظواهر الهامشية، أن التلطّي خلف المواقف الأسدية تلك، يُبرّر بعض غلوائه وتعنّته في مفاوضات التشكيل الحكومي، ويجنّبه حرج الافتراق المرحلي عن حليفه الدائم “حزب الله” وابتعاده الحتمي عن رؤية أحوال لبنان على حقيقتها، والضرورات الحاسمات لتأجيل أو تصغير بعض الطموحات الذاتية استناداً إلى تلك الأحوال!
ضاقت حدود المناورة في كل حال! وصار الاستحقاق قريباً جداً، وفي ذلك تصحّ دعوة الجميع إلى التمعّن مليّاً في ما قاله الرئيس سعد الحريري أخيراً، وفي “قراره” المرتقب إذا ظلّ الإقفال متحكماً والتعنّت حاكماً وتأثيرات ذلك على السفينة المفخوتة برمّتها وعلى “كل” مَنْ عليها من دون استثناء!