Site icon IMLebanon

في ميزان جنيف

الصلة حتمية بين «عودة» فصائل المعارضة السورية المسلّحة إلى الهجوم والاقتحام والسيطرة في منطقة ريف اللاذقية وغيرها، و»عودة» صواريخ «التاو» إلى الضوء، وبين الكباش الديبلوماسي العنيف الجاري مع موسكو في شأن تشكيلة المعارضين الذين سيشاركون في مؤتمر جنيف-3 العتيد!

في غضون اليومين الماضيين، تمكنت المعارضة المسلحة من تفعيل عملية «رصّ الصفوف» التي أعلنتها. واسترجعت نقاطاً ومواقع وقرى عديدة كانت سقطت في أيدي جماعة السلطة وتحت غطاء القصف الجوي الروسي وبرعاية وإشراف من مستشاري وضباط فلاديمير بوتين على الأرض.. وإن كان الهجوم المضاد هذا لم يصل بعد إلى بلدة سلمى، التي «اكتشف» الجمع الممانع فجأة أنها ذات شأن استراتيجي خاص بموقعها الواصل إلى القدس تحديداً! علماً أن لا شيء يمنع من الوصول إليها واستعادتها مجدداً في سياق نقل موقعها الجغرافي الممتاز هذا، من الطريق إلى القدس، إلى الطريق إلى جنيف!

لم يخفِ الروس، أي وقاحة في مفاوضاتهم السياسية الأخيرة، بل جعلوها صنو وقاحتهم العسكرية التي أخذتهم الى استهداف المدنيين والبنى التحتية في مناطق المعارضة، ثم الاعلان أنهم قصفوا ودمروا مقار ومراكز قيادية لـ»داعش».. ثم يصرّون على كذبهم من دون تردّد أو خفر أو حياء مع أن شهادات موثّقة بالصوت والصورة وأخرى تصدرها المنظمات الحقوقية الدولية المعروفة، تقول العكس تماماً!

.. في «مفاوضاتهم» مع الأميركيين وغيرهم قال الروس إن من «حقهم» التدخّل في تحديد المؤهلين لمفاوضة الأسد طالما أنهم موجودون على الأرض، ويتحكّمون بالميدان، وتمكّنوا بالفعل من تحقيق «إنجازات» على أكثر من جبهة، وخصوصاً في الشمال.

وفي معادلتهم الجدالية هذه، لا يخرجون عن المنطق القائل بأن ميزان القوى على الأرض هو من يحدّد وزن المفاوض حول الطاولة.. لكن، هذه المعادلة تشبه القانون العام وليس حكراً على طرف دون آخر.

قالت الرياض على لسان وزير الخارجية عادل الجبير إن الهيئة التفاوضية المنبثقة عن مؤتمر المعارضة هي وحدها المخوّلة بتحديد الوفد المفاوض.. ثم قال رئيس الهيئة رياض حجاب الكلام نفسه، قبل أن يضم رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو صوته من دافوس لتأكيد الموقف ذاته.

ولأن كمشة من حديد توازي طناً من «كلام» الحق، فإن ذلك الموقف السياسي السليم والمحق، كان في حاجة حتمية إلى سند ميداني سرعان ما تمظهر في ريف اللاذقية تحديداً.. لكن ذلك في إطاره الأوسع يدلّ على مفارقة كبيرة: في مقابل جذرية الطرح السعودي التركي وصدقيته والموقف المبدئي والفعلي والعملي الداعم للشعب السوري على طول الخط، هناك الموقف الأميركي الذي لا يخرج عن مدوّنة «تلزيم» موسكو الشأن السوري وإعطائها الضوء الأخضر لأخذه إلى تسوية سياسية مفترضة!

وهذا ما يُعيد التذكير بالمعطى العام القائل، بأن النكبة السورية ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه من تردٍّ وكوارث وبلايا وإرهاب فعلي وحقيقي وآخر مصطنع، لولا السياسات التي اعتمدها أوباما من أول الطريق إلى آخره!.. والتي تؤهله حينما يشاء لـ»فرك أذن» بوتين في سوريا في بعض الأحيان، ولجم اندفاعاته ووقاحاته، مثلما يحصل راهناً.. في الشمال السوري وفي إعادة «التاو» إلى مسرح العمليات!