صحيح تماماً (وموضوعي) ما يفترضه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنّ مسار آستانة فشِل، ومسار سوتشي مثله وأسوأ. وأن لا بديل عن العودة إلى مسار جنيف.. برغم عقم التجربة واستحالتها!
لكن من الآن حتى «العودة» إلى جنيف، إذا كانت ممكنة، سيبقى الدم السوري مسفوكاً على الأرض مدراراً. وستتصاعد حُكماً، وتائر العمليات العسكرية. أو بالأحرى، وتائر الإجرام الروسي – الإيراني مثلما يحصل في الغوطة الشرقية الآن ومثلما «يُتوقّع» أن يحصل لاحقاً في إدلب، وتحت اللافتة المخزية القائلة بـ«محاربة الإرهاب».
وإذا كانت «مقررات» سوتشي فشلت تبعاً لموقف المعارضة (الرافض للاستسلام!) ثمّ تبعاً لكون العرض في ذاته، محاولة شكلية برّانيّة لتثبيت كون روسيا «وسيطاً» وليست طرفاً، أكثر من كونها محاولة جدّية لإطلاق عملية سياسية تسوويّة.. فإنّ الآستانة لم تكن، على ما يظهر تباعاً، سوى عملية بلف وخداع، ومحطّة على الطريق لإكمال المسير نحو «الحسم العسكري»، أو تجريب ذلك!
دولتان من الدول الثلاث المعنية و«الضامنة» لمقررات آستانة، وخصوصاً في شأن المناطق الآمنة، هما اللتان تتولّيان في الغوطة نسف تلك المقررات، فيما تتابع تركيا الانشغال برعاية وسقاية «غصن الزيتون» في الشمال السوري! والأخطر (إذا أمكن!) في ما يجري هو أن الآستانة، كانت إشارة إلى افتراق مُدّعى بين أجندتَي طهران من جهة وموسكو من جهة أخرى إزاء المآلات الاستراتيجية للنكبة السورية، لكن الحاصل هو أنها صارت عنواناً للتلاقي بينهما! لا بل راحت القيادة الروسية إلى حدّ تبنّي طروحات وتكتيكات توصل في الخلاصة، إلى تغيير وجه محيط العاصمة دمشق الديموغرافي، استناداً إلى القياسات الإيرانية والأسدية، تماماً بتاتاً!
وباستثناء تعليق يتيم من القيادة التركية يتّهم الروس والإيرانيين بانتهاك «تفاهمات» الآستانة، فإن أنقرة تبدو غير معنيّة سوى بجوارها الحدودي المباشر.. وذلك يدغدغ شياطين التوجّس والإثم! ويدفع دفعاً، إلى إساءة الظنّ بها. وإلى الافتراض الكئيب، بأن الأطراف الثلاثة المعنية بتلك «التفاهمات» اتفقت شكلاً على المناطق الأربع الآمنة، لكنها في الواقع تقاسمت الكعكة الدموية! وتصرفت تبعاً لواقع الحال! ولصالح كل منها.. وعلى حساب السوريين وأرواحهم ودمائهم!
و«واقع الحال» القائم، حتى ينتهي دونالد ترامب من «درس» خطواته اللاحقة بـ«معاقبة» بشار الأسد على استخدامه السلاح الكيماوي مجدداً، على ما قيل بالأمس تحديداً في واشنطن.. يفيد (ذلك الواقع القائم) بأنّ الميزان لا يزال مكسوراً في الخارطة النزالية السورية، وأنّ الروس والإيرانيين مستعجلون لفرض المزيد من الوقائع والحقائق الميدانية لمصلحتهم..
يتحرّك الفرنسيون و«المجتمع الدولي» على المستويّين السياسي والإعلامي لمحاولة لجم الجموح المتوحّش لقوى «المحور» الهاجمة على، والفاتكة بعموم البيئة السورية المعارضة، ويدبّ ماكرون الصوت بأعلى ما يمكن وبأصدق ما يمكن.. لكن عبثاً ينادي! ولا حياة لمن يُنادي! ما يعيد المنطق إلى بداياته الصفريّة: وحده تدخّل أميركي مباشر وسريع يوقف المذبحة.. ولا شيء آخر!