Site icon IMLebanon

في «بطولات» الممانعة..

 

المعادلة المكسورة في سوريا ستبقى مكسورة إلى أن يغيّر الأميركيون سياساتهم فيها ومنها!… وفي دنيا الضواري والكواسر والذئاب الفالتة على الغوطة الدمشقية الشرقية، من دون أي ضوابط ذات صلة بالبشر وطباعهم وطبائعهم، لا مجال لأي أمر مضاد مؤثر وجدّي إذا ظلّ في سياقاته الراهنة: مناشدات! وإدانات! وبيانات أممية! وتسابق في الإنشاء واللغو والعدّ والحساب…!

 

القانون الراسخ الذي ثبتت جدواه في كل حين ومكان، وخصوصاً غداة الحرب العالمية الثانية، هو أنّ توازن الرعب (أو القوة) يبقى أقصر الطرق للردع المتبادل. وتجنّب حروب الإبادة! ودوام أسباب الاستقرار. واكتشاف فضائل «السلام» وإيجابياته الأكيدة!

 

وفي بعض مواد ذلك القانون، أنّه كلّما اشتدّت آليات الردع، تراخت في المقابل أسباب النِزال والنزاع ولُجِمَت شهوة القتل والفتك وتسجيل «الانتصارات» السهلة! والعكس صحيح!

 

في المشهد النكبوي السوري، ومنذ بداياته القتالية الفعلية، أي بعد نحو تسعة أشهر على انطلاق أولى بوادر الثورة في آذار 2011، هناك سيبة غير مستوية القياس، على المستوى «الأهلي» بداية، ثم على المستوى الأشمل الإقليمي والدولي. ومعنى ذلك، أنّ الأكثرية السورية التي خرجت على حكم الطغمة الأسدية، لم تكن تملك (ولا تزال!) أكثر من هدير الصوت! ووقع الأقدام! ثمّ الأسلحة التقليدية البدائية وشبه البدائية. وكانت قواها المسلّحة مبعثرة ومخترقة! في مقابل أجهزة السلطة المتراكمة فوق بعضها البعض! وجيشها المدجّج بالطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ والكيماوي.. والتعبئة الفتنوية الصارخة، وفوقها أوامر «حاسمة» بالتعامل مع السوريين (العرب والمسلمين!) باعتبارهم أعداء مكتملي أسباب العداء!

 

وكان منطقياً وطبيعياً، أن تنفتح المقابر على وسعها! ويعم البلاء في كل بيئة المعارضة، بغضّ النظر عن تلاوينها السياسية والتنظيمية! ثم أن تأخذ المذبحة بين المدنيين مداها تبعاً لانكسار التوازن بين الرصاصة والصوت! والصاروخ والتظاهرة! والطائرة الحربية والأناشيد الحماسية!

 

وزاد في انكسار «ميزان الردع» ذاك، أنّ داعمي الطغمة الأسدية نزلوا إلى الحرب باعتبارها قضية «موت أو حياة»! وليس أقل من ذلك: جاء الإيرانيون وميليشياتهم المذهبية من كل ركن ومقام ولم يبخلوا بشيء! ولحقهم الروس على الوتيرة «النضالية» ذاتها، وإن اختلفت حساباتهم! في حين أنّ «الآخرين»، الذين دعموا المعارضة الثائرة والذين ادّعوا دعم تلك المعارضة (وخصوصاً إدارة السيّئ الذكر باراك أوباما) آثروا عدم التورّط في الحضور الميداني المباشر! وإن كان بعضهم أبدى في مراحل عدة، كل استعداد ممكن لتلك الفرضية، قبل أن تحجبها الإرادة السوداء للساكن في البيت الأبيض! وقبل أن تفرض الحسابات الانتهازية الكبرى والصغرى، أن يمشي الجميع في أوروبا الغربية بعد واشنطن وتل أبيب، خلف نظرية «محاربة الإرهاب»! وعدم وجود «بديل معقول» عن الطاغية الدمشقي!

 

استشرست جماعة «المحور» الروسي – الإيراني وحواشيه الأسدية، في حرب إلغاء المعارضة! وزاد في الشراسة أمران كبيران: الأول هو عدم وجود رادع موازٍ، لا في الحضور الميداني ولا في التسليح ولا في انعدام الأخلاق! والثاني هو دخول الإرهاب الداعشي بكل زخمه على المشهد ليتكفل من الداخل بكسر ما عجزت قوى «المحور» عن كسره من الخارج!

 

.. جاء الأميركيون أخيراً. لكنّ «سياستهم» على ما يبدو، لم تتغيّر كثيراً عما كانت عليه أيام أوباما: لا يريدون التورّط في حرب كبيرة أخرى، وفي الوقت نفسه لا يريدون للإيرانيين أن يرسّخوا «حضورهم»! ولا للروس أن يفرضوا أحاديّتهم! وخصوصاً.. في الجوانب والنواحي ذات المردود الإيجابي عليهم، كحقول النفط والغاز في شرق الفرات وعند الحدود الغربية للعراق!

 

وتلك أحجية مركّبة، سوى أنّ تفسير بعض أبوابها موجود عند الآخرين وليس عند الأميركيين: لا الإيراني يقترب منهم، بل العكس، تراه يبحث عن «منصّة مشتركة» معهم، مثلما حصل في العراق تحت لافتة «محاربة الإرهاب» الأثيرة، برغم كل التنتيع الذي يتولاه بين الفينة والأخرى علي أكبر ولايتي مستشار «الولي الفقيه»، في حين تغيب صور قاسم سليماني تماماً! ولا الروسي يضع قدماً واحدة في مناطق «قواعدهم» المستحدثة، ولا يجرؤ حتى على المسّ بالقوى الكردية المحمية من قبلهم!

 

المعضلة المتحكّمة بالحالة الراهنة (في الغوطة) هي أنّ الأميركيين يتصرفون بوضوح تام، وكأنّهم غير معنيين على الإطلاق بما يحصل خارج نطاق انتشارهم مع حلفائهم الأكراد! في حين أنّ الروس يعتبرون أنّ العودة إلى البطش بالبيئة المعارضة، هو «ردٌّ» غير مباشر على الأميركيين! وعلى سياستهم التي أفشلت صورة «الوسيط» في سوتشي! وخرّبت عليهم ادعاءاتهم الانتصارية.. ولم تتورّع أو تتردّد في الفتك بميليشياتهم «غير النظامية» عندما حاولت التقدم باتجاه دير الزور وحقول النفط!

 

أي أنّ السوريين في الغوطة يدفعون مجدّداً وغصباً عنهم أثمان سياسة أميركية قاصرة وشديدة الأنانية! مثلما يدفعون أثمان أداء حيواني من قوى متجبّرة وخسيسة، تستقوي على الضعيف وتركع أمام القوي! ولم تكن «الرسالة» المخزية التي وجّهها نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى إسرائيل والتي يُطَمْئِنُها فيها إلى أنّ «وجود» بلاده في سوريا ليس الهدف منه فتح جبهة معها، إلاّ إحدى علامات ذلك الأداء المكلّل بالعار والشنار! والدّال في الخلاصة، على «جديّة» استبدال إيران، العداء للمكوّن العربي والإسلامي الأكثري، بالعداء لـِ«الصهاينة»!

 

ما لم يتحرك عصب ما، إنساني أو أخلاقي (أو حتى سياسي؟!) عند صاحب القرار في البيت الأبيض، فإن «المحور» الروسي – الإيراني سيبقى على أدائه: يسجّل «بطولاته» على أطفال الغوطة الدمشقية! ويترجم «مقاومته» و«ممانعته» على أشلاء أهلها ودمار عمرانها!