لافت هذا الاستعراض المكثف الذي يظهره «حزب الله» لما يسمّيه «انتصاره» في جرود عرسال اللبنانية حتى لو كان ذلك من عاديّات أدائه المحكوم دائماً وأبداً بالمبالغات والتفخيمات والإلهيات والمستحيلات والمعجزات.
.. ولافت حتى لو دخلت الطقوس الاحتفالية التي يعتمدها راهناً، في سياق نهجه التعبوي المستدام، الذي تضمّن ويتضمّن، ظواهر وممارسات يطغى الكيد والتشفي فيها على ما عداهما! وإزاء مكوّن عربي إسلامي أهلي لا تشوب هويّته شبهة الصهينة! ولا تركيباتها المتعدّدة الأعراق! بل إن الأمر الاحتفالي، الفالتة تفاصيله على ألسنة مقاتليه، لا يتورّع عن تأكيد البُعد المذهبي في معركة قال ويقول إنّها ضدّ «تكفيريين» و«إرهابيين» أضرّوا بالإسلام الجامع وشوّهوا قيمه!
في تفسير ذلك، يختلط الدائم بالعابر. والدائم عند «حزب الله» هو إبقاء ماكينة الشحن المذهبية منطلقة على مداها باتجاه أهل بيئته أولاً وأساساً! وأي تراخٍ فيها يُضعف العُصبة، ويعرّض البنيان لاهتزازات غير محمودة.. خصوصاً أنّ السعي قائم في مجتمع مفتوح، ومتعدّد وصعب الضبط! و«غواياته» أكبر من لواجمه! وتداخلاته أعقد من أن تُرسم بينها حدود فاصلة بما يسمح بسيادة النقاء المذهبي (أو الحزبي) ويسهّل توصيل الرسالة بتمامها وكمالها!
والدائم عند الحزب، هو أنّه جزء من مشروع إيراني عام وواسع الطموح وسع انتشار أتباع المذهب وتعدّد هويّاتهم الكيانية.. وأبرز وأول وأهم وسائل تمكين ذلك المشروع، هو تماماً ذلك الرابط المذهبي المطلوب «توضيحه» وصقله وإبرازه، بأي طريقة ممكنة!
وذلك في كل حال، يستدعي طقوساً وممارسات «لا بدّ منها» وبغضّ النظر عن أي ضوابط أو لواجم! بحيث تصير الفتنة الإسلامية مطلوبة أكثر من كونها ملعونة! وشرطاً مدماكياً لنفوذ إيران، أكثر من كونها بلايا وكوارث ومصائب وويلات غير مسبوقة منذ 1400 عام!
.. «حزب الله» أساساً هو أحد إفرازات ذلك المشروع وأبرز أعمدته! ومعضلة «الأغيار» في تفسير أدائه وسلوكه وممارساته، هي أنهم يعتمدون دائماً قياساتهم الخاصة (العامة والمألوفة في كل حال) للتمييز بين الصحّ والخطأ، ويفترضون (منطقياً وطبيعياً!!) أنّها هي ذاتها مقاييس حزب مُؤسَّس على فضائل الدين والموروثات المتراكمة لسرديات رفض الجور والظلم والاستبداد وما شابه!
«حزب الله» في مكان آخر. ويقينياته و«مقدّساته» لا تنزل تحت حدود السماء إلا لتنتظر المهدي على الأرض! وهذه حِسبة كبرى! لا ينفع معها جدال وضعي، خصوصاً إذا كان المجادِل غريباً ومختلفاً في الهوية الدينية (المذهبية) والهوى السياسي!
وفي تفسير العابر المطلوب من تكثيف أهازيج «الانتصار» العرسالي، هو أنّ الاستنفار السياسي الإيراني في أعلى مستوياته حالياً لتأكيد «الحضور» في مراكز النفوذ الإقليمية رداً على وعود الاستهداف المتهاطلة تباعاً من قبل الإدارة الأميركية.. وتوجّساً من تفاهمات كبرى بين هذه الإدارة ونظيرتها في موسكو! واستباقاً لها ولخرائطها وإسرائيلياتها! عدا عن تثبيت ثلاثية الدمج مع «الجيش» و«الشعب» في لبنان رداً على التمييز والفصل الواضحَين اللذين يعتمدهما الأميركيون والأوروبيون، بين «حزب الله» (المقاومة) وغيره من مكوّنات الاجتماع الوطني عسكرياً ومدنياً! أكان من خلال العقوبات، أو من خلال تأكيد استمرار دعم المؤسسات الشرعية واعتبارها وحدها المعنية بأحوال اللبنانيين وأمنهم وحدودهم.